آخر تحديث :الثلاثاء-17 سبتمبر 2024-10:44م


سعيد سالم باحقيبة .. عملاق في زمن التحديات، ورمز للوفاء الوطني

الإثنين - 26 أغسطس 2024 - الساعة 10:18 ص

عبدالجبار بن أحمد السقطري
بقلم: عبدالجبار بن أحمد السقطري
- ارشيف الكاتب



في مسيرة الشعوب،
 شخصيات عظيمة تتجاوز أفعالها حدود الزمن والمكان، لتصبح رمزًا خالدًا للنضال والعطاء. سعيد سالم باحقيبة، ذاك الاسم الذي أصبح مرادفًا للتضحية والنزاهة، هو أحد هؤلاء الرجال الذين جسدوا معاني الوفاء للوطن بأبهى صورها.

في مرحلة حرجة من تاريخ اليمن، كان باحقيبة يقف شامخًا كالصخرة في وجه التحديات. شغل منصب السكرتير الأول للحزب الاشتراكي اليمني في عهد الرئيس علي سالم البيض، حيث كانت هذه المرحلة مفصلية في تاريخ اليمن الجنوبي. لم يكن منصبه مجرد تكليف إداري، بل كان تعبيرًا عن الثقة العميقة التي أولاها له الرئيس البيض، ورمزًا لالتزامه الراسخ بمبادئ الحرية والعدالة.

حينما اشتعلت نيران الحرب في عام 1994، واختارت الكثير من القيادات الهروب إلى بر الأمان، رفض سعيد سالم باحقيبة الانصياع لمغريات النجاة الفردية. كانت عدن على صفيح ساخن، لكنه اختار البقاء، واضعًا مصلحة طلاب وأسر سقطرى في مقدمة أولوياته. في خطوة جسدت أعمق معاني التضحية، حرص على تأمين باخرة لإجلائهم إلى بر الأمان، مؤكدًا أن الوطن وأبنائه يستحقون كل تضحية.

بعد الحرب، فرضت الظروف عليه الهجرة إلى الإمارات، حيث عاش سنوات من الغربة، لكن قلبه ظل معلقًا بوطنه. ورغم المسافات، لم تفتر عزيمته، ولم يخفت حبه لوطنه. وعندما عاد إلى عدن، كان قد عاد بروح جديدة متقدة بالإصرار على مواصلة النضال. في أحد لقاءاتي به، وأنا طالب في ثانوية الجلاء بعدن، رأيت فيه تلك الروح العظيمة التي لا تنكسر. عندما سألته عن الانتخابات، كان جوابه دليلاً على تمسكه بمبادئه، حيث أعلن تأييده للحزب الاشتراكي بكل شجاعة.

لكن السياسة أحيانًا تتطلب مرونة تتجاوز العقائد الصلبة. في صنعاء، التقى بأقطاب السياسة اليمنية مثل جار الله عمر وباجمال، وعرف كيف يوازن بين الولاء لمبادئه والحرص على مصلحة سقطرى وشعبها. اقتنع بالانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام، ليس تنازلاً، بل استراتيجية نضالية لخدمة قضيته الكبرى. 

في انتخابات حضرموت، أثبت باحقيبة مرة أخرى أنه رجل دولة بامتياز، حيث فاز بمقعد البرلمان وتم تعيينه رئيسًا لكتلة برلمان حضرموت. لكنه لم يكن مجرد برلماني؛ بل كان صوت كل يمني في صنعاء. لم تكن أبوابه مغلقة، بل كانت مشرعة أمام كل من قصدها، ليصبح رمزًا للعدالة والإنسانية.

وعندما عاد إلى سقطرى كمحافظ، كان الناس يعرفون أنهم أمام رجل نزيه، لا يسعى وراء المكاسب الشخصية. وعندما انتهت خدمته، خرج من مكتبه بدون مكاسب مادية، بلا سيارة فاخرة ولا رصيد مالي ولا حتى أرضية. لم يكن يبحث عن الثروة، بل كان يسعى لأن يظل في ذاكرة الناس رمزًا للنزاهة والتفاني.

إن سعيد سالم باحقيبة هو أكثر من مجرد سياسي؛ هو مدرسة في التضحية والإخلاص، وهو نموذج نادر لقائد لم يُغره المال أو السلطة، بل ظل ثابتًا على مبادئه، واضعًا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. هو رمز للوفاء، وصوت لكل من يؤمن أن الوطن يستحق كل تضحية. بفضله، نتعلم أن الوطنية ليست شعارًا يُرفع، بل هي حياة تُعاش بكل صدق وأمانة، لتظل في ذاكرة الأجيال مصدر إلهام لا ينضب.