آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-07:51ص


الطغاة والعبيد ،،،

السبت - 27 يوليه 2024 - الساعة 05:56 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




الطغيان أمر لا ينبغي أن يكون ولا ينبغي أن يبقى ، ولا ينبغي أن يستمر ، وما ينبغي أن يوجد أصلاً .
ذلك أنه أمر كريه، وفعل مُستقبح ،وسلوك شاذ وعمل مفسد للأرض، مخالف لما يحبه الله .
إنه يتعدى على أهم خصيصة من الخصائص الإنسانية ( ألا وهي الحرية ) .

لكن ما يؤسف له هنا ،،،
أنَّ ذلك الطاغية ، المتجبر ، المتكبر ....إنما هو فرد من أفراد المجتمع ، واحد من الناس ، شخص ترعرع ونشأ بين أوساط الجماهير ، إنسان لا يملك قدرات خارقة ، وليست لديه جينات مختلفة ، ولم يهبط من كوب أخر !!!

ومع ذلك كله وعلى حين غفلة يتسلل ذلك الوغد ...حتى يمتطي رقاب الناس ، ويسلبهم حرياتهم ، ويصيرهم عبيداً أذلاء طائعين .
فيا للعجب !!

إنها الجماهير الغافلة الذلول !!!
تلك الجماهير التي تمطي له ظهرها فيركب !! ، وتمد له أعناقها فيجر !! ، وتحني له رؤوسها فيستعلي !! ، وتتنازل له عن حقها في العزّة و الكرامة فيطغى !!
والجماهير _ للأسف _ تفعل هذا كله مخدوعة بالوهم الذي نسجه حول شخصه ، وبالهالة التي أحاط بها نفسه ، وبالقداسة التي أفاض بها على سلوكه .

كل ذلك ولَّد الخوف في نفوس تلك الجماهير الغافلة ، الجاهلة ، البليدة ....فخضعت له ، وذلت لجبروته ، وخنعت لظلمه ، واستكانت لفساده ، بل وربما ظنت أنه قدرها الذي أنزله الله والذي يتوجب عليها أن تُذعن له ، وترضى به ، وتؤمن به، وتطيعه .

هذا الوهم _ للأسف _ يروَّج له مطبلو الطاغية ، وإعلاميو الدفع المسبق ، وعلماء السلطان ...
هذه الجوقة ( الرذيلة ) أقنعت تلك الجماهير ( الساذجة ) بضرورة الرضى بعفن الطاغية ، وقذارته حتى ولو تبوَّل عليها ، وتوهمهم أنَّ ذلك البول ....إنما هو ماء نزل من السماء ، ويتبعهم علماء دين البلاط ليثبتوا لها بأنَّه ( ماء طهور ) .

وهكذا يستمري ذلك المجرم ضعف الجماهير ، وغباهم ، وجهلهم ، وسذاجتهم ...فيمارس أبشع الجرائم ، ويرتكب أفضع المنكرات ، ويفعل أكبر الأفاعيل ......دونما حساب لأدمية الأدمي ، ولا اعتبار لإنسانية الإنسان ، ودونما اكتراث لعواقب سلوكه الشاذ .

علماً بأنَّ ذلك الوحش (هو فرد ) لا يمكن أن يكون أقوى من تلك الألوف المؤلفة ، ولا أشد من تلك الملايين المملينة ... لو أنها آمنت بإنسانيتها و كرامتها ، وعزتها و حريتها .
لكنه الجهل ، والغباء ، والسذاجة ، والوهن ، والاستكانة ، والخنوع ، والذل ، والهوان ، واستمراء الباطل ...
كل تلك الأسباب دفعت ذلك الطاغية ( الفرد )
بأن يتفرعن ، ويطغى ، ويستكبر ، ويستعبد الناس .

وما كان له أن يصل إلى هذا المستوى من الطغيان لو أنه وجد شعوباً واعية كريمة مؤمنة بإنسانيتها ، وآدميتها ، وكرامتها ... فتعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء .

فمتى تعي الشعوب أنَّ هؤلاء الطغاة والظلمة... إنما هم عبيد لا يملكون موتاً ، ولا حياة ، ولا نشوراً، وأنهم مجرد أفراد جبناء يستقوون بجهل الجماهير ، وسذاجتهم، وتصفقيهم .

ولو أنهم قالوا ( لا ) لحطمت هذه الكلمة كبرياء الظلمة، ولأذلت طغيانهم .

الشعوب هي من تصنع الطغاة, والمجرمين , والظلمة ...
وعليها أن تدرك كذلك إنها هي صانعة حريتها بذاتها .