آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-07:57ص


عاشوراء وثورة عشال الجعدني ،،،

الثلاثاء - 16 يوليه 2024 - الساعة 12:29 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




على القدر الذي تبدو فيه ذاكرة التاريخ البشري مشحونة بالأحداث , والمواقف , والذكريات ..الجديرة بالتوقف , والتأمل, والاستقراء , والتحليل , والإستنتاج ...بيد أنَّ أياماً بعينها كانت ولا تزال علامات فااارقة , ومعالم هداية حية مشرقة متوهجة في ذاكرة التاريخ .تلك المواقف , وتلك الأحداث , وتلك الذكريات..هي بمثابة نفحات ربانية , وإلهامات سنية بسرّ الحياة , وبقيمة الاستخلاف في الأرض الذي تُلَحُ حاجته إلى النماء , والتطور , والتجديد , والتنوير .ولعل القيمة التاريخية لتلك الأيام تكمن فيما تجود به من عِبِرٍ وعظات , ودروس ..هي بمثابة مستودع الخبرة البشرية , ومعينها الذي لا ينضب خيره , ولا تنعدم فوائده .
وكان يوم عاشوراء واحداً من تلك الأيام الخالدة في ذاكرة التاريخ .. وذلك لارتباطه بأهم حدثين تاريخيين وقعا فيه , وكان الرابط بينهما البحث عن قيمة إنسانية سامية ( تمثلت في الصراع لأجل  حرية الإنسان , وصون كرامته والثورة على الظلم ، والاضطهاد ) .

ونحن إذ نستقرأ هذين الحدثين _ في مثل هذه الظروف التي تمر بها أمتنا العربية الإسلامية _  نرمي إلى إعادة إنتاج الفعل الحضاري الإسلامي بطريقة تليق بخبرة خير أمة أخرجت للناس ،كما أنها محاولة تمتزج فيها المعطيات التاريخية الحية بحركة الواقع في الوعي البشري ليحدث التناغم المُرتجى بين الماضي والحاضر , والذي يهيأ الإرادة العازمة الجازمة , لتفعيل مقومات الماضي الحضاري ......لميلاد جيل التغيير التواق للحرية , والانعتاق من جبروت الطغيان .

تمثل الحدث الأول والأبرز والأهم في الصراع الطويل والشاق بين سيدنا موسى _ رافع لواء الحرية , والداعي لهدم معبد الطغيان , والإنفكاك من قيود الاستبداد _ مع الطاغية فرعون ( رمز الفساد, وعنوان الإستبداد, ورأس الظلم )
ومن هنا تكمن القيمة الحقيقة ليوم عاشوراء .....فإلى جانب أنه يوم خالد من أيام الله , فهو كذلك اليوم الذي دُشِّن فيه المشروع الإصلاحي الرباني , لإقرار حقوق الإنسان , وحريته , وإعادته إلى موقعه على خارطة الاستخلاف والإمامة في الأرض , وانتزاع مقاليد السيادة من أيدي المستبدين والطغاة والظلمة .

هكذا تمثلت تلك المواجهة بين هذين المشروعين ( مشروع التحرر , ومشروع الاستبداد) وهكذا حمل كل من موسى وفرعون لواءه وحشد كل منهما طاقته وقوته للدفاع عن مشروعه ...ودخلا في صراع شاق ومرير وطويل ...إلا أنَّ العاقبة للمتقين , وكانت الجولة الأخيرة انتصاراً للحرية على الاستبداد , وأفول دولة الظلم، وزوال الباطل ، واندحار الطغيان .

ولعل هذا هو أهم درس ينبغي أن نستلهمه في صراعنا مع( فراعنة اليوم) .
فتلك النهاية الوخيمة للطاغية ، المجرم ، السفاح ( فرعون ) سوف تتكرر مع طغاة اليوم ، وسفاحي العصر ، وسوف يلاقون نفس النهاية الوخيمة ...وإن تعددت صورها .
ومشهد أنتصار القلة المؤمنة _والمتمثلة في سيدنا موسى _ ستتكرر مع رافعي لواء الحق ، والمدافعين عن الحرية .

ولما لهذا الحدث التاريخي من أهمية في حياة الشعوب التواقة للحرية ، والمتطلعة للإنعتاق من براثن الظلم ......كانت لفتة النبي لهذا الحدث في غاية الأهمية .

فعندما وجد اليهود يصومون هذا اليوم تعظيماً لتلك الذكرى التي انتصر فيها موسى على فرعون ...قال عليه السلام : نحن أحق بموسى منكم فأمر بصيامه ..وذلك تخليداً لانتصار الحق على الباطل , وليكون كذلك نبراساً للنفوس التواقة للحرية , ولتستلهم الأمة منه الدروس والعبر حينما يتسلل وغدٍ على حين غفلة ويتعدى على حرية الآخرين , ويغتصب السلطة بقوة السلاح .

وأما الحدث الثاني الذي سُجل في يوم عاشوراء كذلك فهو حدث مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه......ذلك الثائر المغوار الذي وقف في وجه الباطل , ورفض فكرة الاستبداد , واغتصاب السلطة من قبل يزيد بن معاوية .
وكتب بدمه الطاهر أنَّ الإسلام كان ولا يزال ثورة في وجه الظلم, والجبروت , والفساد والإفساد.
وعمٌَد ذلك المبدأ بروحه الطاهر , وثبٌَت تلك المعاني بحياته الكريمة ، ورسٌخ تلك المفاهيم بنفسه الزكية .

ِلقد كانت ثورة الحسين ضد يزيد غضباً للدين, وقياماً بالحق , ورفضاً للملك العضوض .
وقد نحا هذا المنحى منذ أن اغتصب معاوية رضي الله عنه الحكم بقوة السلاح, وانحرف منذ الوهلة الأولى عن جادة الطريق , وجانب الصواب ..وقد رُوي عنه أنه قال لمعاوية ( *ما أطنُّ أنَّ لي عذراً عند الله في ترك جهادك , ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة* ).

لقد ثار الحسين لتثبيت مبدأ الشورى , ولرفض فكرة الملك العضوض ( لطائفة , أو جماعة ، أو فئتة ) تحت أي مبرر .
ودعا _وبقوت_إلى رفض الإستبداد والقهر , والطغيان بكل أشكاله .

هكذا سجٌَل التاريخ  أحداث تلك الواقعة الأليمة على قلوب المسلمين في مثل هذا اليوم _ رُغم مرارتها _ إلا أنها ستظل ملهمة لعشاق الحرية ,ونبراساً لطالبي الحياة الكريمة .

أما ما يفعله الشيعة في هذا اليوم  من أعمال في تتنافى مع روح الدين , والفكر السوي  ...فهي تصب في خانة الظلمة الذين اغتالوه بالأمس , ولا يزال السائرون على نهجهم يقتاتون على وجع تلك الفاجعة الأليمة .

لقد شاءت الأقدار أن يحمل لنا يوم عاشوراء تلك الذكريات , وأن تقع فيه مثل تلك الأحداث الجسام لحكمة يعلمها ربنا سبحانه .
فبينما انتصر مشروع سيدنا موسى على فرعون ...وكانت الجولة الأخيرة للحق ...
هنا أخفق الحسين في تحقيق هدفه الذي خرج لأجله ...لكنه أرسى مبدأ في غاية الأهمية , وثبٌَت معانٍ إسلامية أصيلة كان لها صداها على مدى التاريخ الإسلامي منذ ذلك اليوم وحتى الساعة ...( تمثلت في الثورة على الظلم , ورفض اغتصاب السلطة بقوة السلاح ، والدعوة إلى تحقيق مبدأ الحرية والمساواة , والعدالة الاجتماعية ).

وها هو عاشوراء _ اليوم _ يسجل لنا حدثاً جديداً تتناقم كل فصوله مع فصول حدثي ( سيدنا موسى ، والحسين بن علي ) يتمثل في المسيرة المليونية التي ستخرج للمطالبة بمعرفة مصير الثائر ( علي عشال الجعدني) .
ذلك البطل الذي رفض الظلم ، وأبى الظيم ، وثار على الباطل ، وأوقد جذوة الثورة على الطغيان.

فكل تلك الأحداث الثلاثة عنوانها واحد ( الثورة على الظلم وهدم معبد الطغيان ، والدعوة إلى الحرية ، والإنعتاق من براثن الاستبداد ) .

إنٌ توافق مثل هذه الأحداث في نفس هذا التأريخ لم يكن اعتباطاً ، ولا مصادفة ، ولا مجازفة .....وإنما هناك يداً خفية تسيٌر الامور ، وتحرٌك الأحداث ، وتوجٌه بوصلة السير ...
وذلك لارتباطها كلها بمبدأ واحد ( حرية الإنسان وصون كرامته ) ..
وتلك لعمري أسمى غايات الإسلام .
وقد رسخ هذا المبدأ سيدنا عمر رضي الله عنه حينما قال :
( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) .