آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-02:42ص


الفقيد المناضل اللواء د , عبدالله احمد بن احمد النسري: الشهيد في حياته والشاهد في مماته!!

الخميس - 11 يوليه 2024 - الساعة 10:37 ص

د.عبده يحيى الدباني
بقلم: د.عبده يحيى الدباني
- ارشيف الكاتب




الحمدلله رب العالمين والصلاة  والسلام على سيد المرسلين أما بعد: في هذا المقام اكتب عن فقيد الوطن الكبير القائد اللواء د عبدالله احمد بن احمد النسري هذا الاسم العزيز والفدائي الشهيد في حياته والشاهد في مماته رحمه الله تعالى.
 لا ادري من اين أبدأ الكتابة عن هذا الرجل الاستثنائي القائد فأنا لم احظ بلقائه إلا مرة أو مرتين مع اننا أهل ولكن حرب صيف 94م فرقت الشمل حتى بين الأسر والأقارب.
ومع هذا البعد والشتات فإن ذكره كان يملأ الأسماع وارجاء الوطن المكبل بالقيود، فقد حمل معه جراح الوطن إلى المنافي .
عبدالله احمد بن احمد ؛ هذا الاسم إذا تحطه على الجرح يطيب وان ترمي به الأعداء تصيب ،.
ولولا ان أسرته كانت عريقة وقد نال أبناؤها حظآ من التعليم في ذلك الزمن القاسي الذي عاشته قرية النسري قبل الاستقلال ومنطقة حالمين بشكل عام
لنشا الفتى كما نشا الكثير من اترابه رعيانا ثم فلاحين .
لقد كان ريف الجنوب حينذاك  تحت وطأة الاستعمار الإنجليزي الذي عزل المدينة عن الريف الجنوبي ، ولولا ذلك الحظ من التعليم لما عرف متى ولد الفقيد عبدالله احمد بن احمد فكثيرون في ذلك الزمان لايعرفون تواريخ الميلاد ولاحتى الشهور أو السنوات الميلادية ، وانا واحد من هؤلاء مع أنني ولدت في  منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي؛ بينما فقيدنا ولد في عقد الاربعينيات من القرن نفسه وليس بين قريتي وقريته سوى جبل اخضر من الزرع والأشجار والمحبة والصفاء .
ولد الفقيد د ، عبدالله احمد بن احمد في 14مايو 1948م 
هذا اليوم نفسه بعد عشرين عاما كان له تاريخ في الجنوب إذ ارتبط بحركة 14 مايو التي قام بها يسار الجبهة القومية التي مهدت لحركة 22 يونيو 1969م  فهذا يعني أنه حتى تاريخ ميلاده كان في مناسبة ثورية قبل ان تاتي تلك المناسبة أو ذلك الحدث نفسه وهذه من المصادفات العجيبة
التي قد يكون له تفسير في علم الارواح.
 ولم تقف المصادفة عند هذا الحد ولكن سنة ميلاده كانت هي سنة قيام ثورة  1948م في صنعاء ضد نظام الائمة السلالي الذي استعبد البلد وشعبها عقودا من الزمن بل له امتداد  قرونآ في التاريخ وكانت هذه الثورة رغم فشلها شهادة ميلاد لشعب المتوكلية اليمنية .
 ومرت الايام فاذا بثورة 1953م في مصر تنطلق وتمتد رياحها ولهبها إلى مختلف الأقطار العربية التى كانت ترزح تحت نظام المستعمرين الغربيين أو تحت حكم انظمة محلية جائرة. وصلت رياح هذه الثورة من خلال اعلامها إلى قرية الفتى مثلما وصلت إلى كل مكان عبر صوت العرب من القاهرة وغيرها .
ترعرع الفتى في هذه الاسرة المتنورة الكريمة وفق ظروف وامكانات  الواقع  ،زمانآ ومكأنآ ، فقد كان أبوه الحاج احمد بن احمد  شيخآ يجيد القراءة  والكتابة وقد ارتبط به لقب الحاج منذ زمن مبكر لقد كان تقيآ ورعآ مباركآ ، لقد ادى فريضة الحج في ذلك الزمن الصعب وشد الرحال إلى الأرض المقدسة رغم صعوبة السفر وطول المسافة واخطار الطريق  وتخلف وسائل النقل ، لقد كانوا يقولون حينذاك ( هدية الحاج إبرة) 
لأن الحاج لا يستطيع ان يحمل معه من مكة إلى حالمين سوى عدد من الابر ليهديها إلى أهل قريته لأن بعض المسافات يقطعونها مشيا على الأقدام.
مازلت اذكره واذكر محياه ووجهه الذي ينم عن صلاح وتقوى رحمه الله تعالى وطيب ثراه.
وهذه الاسرة كثيرة الأبناء والبنات ،
فعدد الابناء تسعة وعدد البنات خمس،
 اماقرية النسري فهي من اشهر قرى حالمين ومن أبرز قبائلها سكنت في مكان فيه الوديان وتطل عليها الجبال الشاهقة وقد عمل اهلهابالزراعة وتربية الماشية مثلهم مثل سائر أبناء حالمين وسائر أبناء الريف الجنوبي،ابناؤها يمتازون بالنكف والغيرة وروح المبادرة وحب التميز والتعليم وهذا السلوك واضح فيهم حتى الآن وهذا ينم عن عمق حضاري .
أما حالمين في ذلك العهد فقد كانت غير خاضعة لأي امارة أو مشيخة أو سلطنة من امارات ومشيخات وسلطنات  الجنوب في ذلك العهد لقد تمتعت حالمين بحكم نفسها بنفسها  فكل قبيلة تدير أمورها بنفسها وهناك تنسيق بين القبائل المكونة لحالمين متى ما دعت الضرورة لذلك .
ولحالمين تاريخ عريق ولما جاورها فاسمها نفسه حميري كما يبدو وفيها كثير من معالم حضارة حمير شاخصة
فضلا عن الالفاظ الحميربة الكثيرة في لهجتها . 
وفي حالمين قامت امارة خرفة أو امارة حالمين التي كانت خرفة مركزها الرئيس ومع الأيام توسعت شمالا وجنوبا وانتقل مركزها من خرفة إلى الضالع وكانت تسمى بامارة الضالع وقد حكمت حتى استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م .
كما كان لحالمين واهلها دور مشهود
في قيام ثورة 14 اكتوبر وتحقيق الاستقلال الوطني للجنوب وفي كل المراحل التالية إلى يومنا هذا .
لقد وجد الفتى عبدالله ونشا في ظل قيام ثورات وبداية وصول الاثير الاذاعي إلى كل مكان عبر صوت العرب من مصر واذاعة عدن وإذاعة صنعاء وغيرها وقد نال تعليمه الاول في الكتاتيب المعلامة ونشا متميزا عن أقرانه وعن إخوانه .
رعى الأغنام مع من رعى في جبال القرية حدبا على اغنامه كما وصفه اترابه ، تقيا ورعا منذ نشأته يحمل معه ماء الوضوء للصلاة إلى حيث يرعى في الجبال رغم المشقة متميزا بالايثار كما عرف فيما بعد خلال حياته .
 بعد ذلك قامت ثوره 26 سبتمبر في صنعاء ضد نظام الإمامة السلالي المتعالي فاقتربت الثورات من جنوبنا الحبيب وسار كثيرون من أبناء حالمين وردفان ويافع والضالع وغيرها 
نحو جبال الثورة في صنعاء جنبنا إلى جنب مع الاشقاء من مصر عبدالناصر 
والثوار من أبناء الشمال وطووا ما كان بينهم من صراعات قبلية بائسة، وكان الفتى يلاحظ كل ذلك ويسمع كل ذلك ويتحفز بسبب كل ذلك . وبعد عام فقط قامت ثورة 14اكتوبر1963م
من على قمم جبال ردفان الشماء الظاهرة إلى حالمين ومنها قرية النسري لقد كانت المعارك تسمع إلى قرى حالمين وكذا أصوات الطيران 
فكثيرا ما كنا نسمع عن جبل بطة وحبيل مصداق وكنضارة في وادي بنا وغيرها .
انجذب الشاب الصغير إلى الثورة وهي في الغالب ثورة شباب وعصر جديد ،التحق فقيدنا  بجبهة حالمين التي كان مقرها أسفل بشم في أقصى وادي شرعة شرقا ، وكانت بقيادة المناضل عبدالله مطلق صالح رحمه الله تعالى وهكذا بدا نجمه  يرتفع بحكم نضاله المبكر والتحاقه بموكب الثورة وتميزه في عقله واخلاقه ومن حينها كان شاهدآ ومشاركا في الاحداث التي مر بها الجنوب إلى يوم وفاته رحمه الله تعالى بل ما تزال سيرة نضاله واعماله الفكرية تشاركان في صناعة حاضر الثورة ومستقبلها  فأنا اسميه الشهيد في حياته والشاهد في مماته .
 لقد التحق بقوات في أيام الاحتلال الانجليزي  على ما كان للشباب من دور وطني تحرري داخل قوات الأمن والجيش، لقد كان أول عمله في سلك الأمن في مدينة الضالع  ، وبعد الاستقلال استمر يخدم  في سلك الأمن وعمل في امن طور الباحة التي كانت تسمى بالمديرية الغربية من المحافظة الثانية (لحج)  ومن ثم انتقل إلى البحث الجنائي في عاصمة المحافظة ( الحوطة) 
هكذا كان ينطلق ويعلو ويتقدم مثل الصاروخ ، وعند تاسيس أول لواء في الجيش الجنوبي الحديث كان فقيدنا ضمن افراد وضباط ذلك اللواء وهو لواء 22 ولعل ذلك نسبة إلى حركة 22 يونيو 1969م وكان ذلك في شهر 
ابريل من عام 1970م .
 وبعد ذلك استمر في التاهيل ملتحقا بدورات مختلفة خلال خدمته الطويلة، وخلص للتعليم الاكاديمي واستمر في صعوده الأكاديمي إلى أن نال درجة الدكتوراه عام 1990م  وهو من اوائل من حصلوا على هذه الدرجة العالية على مستوى حالمين وعلى مستوى القوات المسلح الجنوبية .
كان الدكتور عبدالله  احمد ناكرآ لذاته محبا  للآخرين مقدما اياهم  على نفسه ، لقد تميز بالايثار بشكل لافت ومحبة خالصة للوطن لا تشوبها شائبة إلى حد التصوف الوطني إذا جاز التعبير ،وعلى الرغم من  طموحه وروح مبادرته وتفوقه فقد كان زاهدآ في المناصب الادارية والعسكرية  فميوله الأكاديمي جعله  مشروع عالم في تخصصه  وقد صار كذلك من خلال كتبه التي ألفها خلال مسيرة حياته ، لكن الظروف التي مر بها الجنوب جعلت الكثيرين يدخلون مجال السياسة الوطنية كفرض عين  لأن الوطن أغلى وقد أصبح مستباحا 
فكان هذا على حساب  الميدان الأكاديمي الذي اختطوه لأنفسهم ولكن الوطن اولى واغلى فزجوا بأنفسهم في سبيل تحرير ارضهم وبلادهم .
 تفرد الرجل بصفات نادره تكاد تنقرض لدى الكثيرين من أبناء الأجيال اللاحقة مثل التواضع ونكران الذات والايثار والعقلية المتفتحة والتفاني الوطني ودماثة الخلق وروح البحث والتنقيب والحساسية الوطنية المفرطة بالوطن والمواطن وعدم المساومة في هذا الأمر خاصه بعد حرب احتلال الجنوب في 1994م 
فقد فضل الفقيد العيش في المنفى والنضال من هناك ولم يستطع العودة إلى الوطن الجريح،  فكيف له ان ينظر إلى عدن وقد صارت إلى ماصارت اليه،  لقد احبها مثلما احب الجنوب كلها . لجأ إلى السعودية ثم إلى سوريا ثم استقر به المقام في مدينة الثلج ولكن بقلب يشتعل حسرة على الوطن المباح والدولة المذبوحة، نعم لقد استقر في لندن وهناك أسس حركة تاج التي كانت رائدة في النضال الجنوبي وفي الرؤية السياسية الرصينة لقضية شعب الجنوب وفي تتبع جذور القضية وليس الاقتصار على معالجة الاعراض كما كان يرى بعض السياسيين الجنوبيين .
لقد امتدت تاج إلى كثير من دول العالم  وكان لها فروع فيها ووصلت إلى داخل الجنوب وعاصمته عدن  ولعلها كانت وراء قيام الحراك الجنوبي السلمي في2007م وانه من شراراتها الاولى ، وان كان البعض قد تنكر لتاج وانفرد بمكونه الخاص فيما بعد ولكن البداية كانت من هناك،  والتاريخ سوف يذكر ذلك ، ولكن هذا لم يكن مهمآ للدكتور المؤسس فالاهم ان الشرارة قد انقدحت ، والثورة استمرت . وهكذا استمرت تاج
 تناضل عن قرب وعن بعد وهي الآن من ابرز  مكونات المجلس الانتقالي الجنوبي .
رحم الله فقيد الوطن عبدالله احمد بن احمد النسري وجزاه عن الوطن والشعب والثورة خير ما يكون الجزاء.

د عبده يحيى الدباني