آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-04:49م

لابد من الدكتوراه وإن طال الزمن !!!

الأربعاء - 26 يونيو 2024 - الساعة 09:11 م
د. غسان ناصر عبادي

بقلم: د. غسان ناصر عبادي
- ارشيف الكاتب




أكملت دراسة البكالوريوس في كلية التربية جامعة عدن وتعينت مدرساً في أحد ثانويات ريف محافظة أبين وانتقلت إلى مدينة جعار مدرساً في أحد ثانوياتها وكان طموحي أن اتعين معيداً في جامعة عدن واواصل دراستي العليا (الماجستير والدكتوراه) وأكون استاذا جامعيا مرموقاً.
كان والدي رحمه الله رحمة الأبرار هو سندي وكان دائماً يشجعني على مواصلة دراستي العليا بل كان دائماً يناديني دكتور غسان حتى صدقت نفسي بأنني دكتور وأنا فقط عندي بكالوريوس !!!
قدمت اوراقي كي التحق ببرنامج الماجستير في كلية التربية عدن فقبلت بعد امتحان قبول ومقابلة شخصية، وكان الرسوم الدراسية تشكل عائق امامي لكوني لا املك إلا راتبي الفتات الذي استلمه من مكتب التربية م/ أبين وأنا متزوج ولدي أطفال، وكنت متردد في دفع الرسوم حتى تم اخراجي من قاعة الدراسة وانذاري بالفصل مالم اسدد رسوم الفصل الأول قبل الامتحانات الفصلية باسبوعين، عدت إلى منزلي خائب ومنكسر وحزين !!!

لاحظ والدي رحمه الله نظرة الانكسار والحزن في وجهي، فتحدث معي وقال مالك حزين، فشكيت له أنهم سيحرموني من دخول الامتحانات بسبب الرسوم، وقلت لوالدي لماذا نحن أبناء أبين لا توجد لدينا جمعيات خيرية تساعد الطلاب في الرسوم والسكن مثل اخواننا في يافع أو شبوة أو حضرموت !؟، تصدق يا والدي أن زميلي اليافعي سددت له الرسوم جمعية يافع الخيرية وأيضا يدعموه بمبلغ رمزي شهرياً ووفروا له سكن طلابي وهو مدرس يستلم راتب ونحن يحاربونا أصحابنا في مواصلة تعليمنا بل كثفوا علينا الدوام والزمونا بالحضور يومين في الأسبوع للتدريس في مدينة جعار محافظة أبين ويخصموا غياب علينا إذا غبنا لظرف خاص أو بعد المسافة من البريقة إلى جعار !!!
هون عليه والدي وقال لا تيأس غداً أن شاء الله سأعطيك رسوم الفصل الأول من راتبي ورفضت ذلك والح علينا وقال رد علينا المبلغ عندما تكون دكتور ...

أعطاني والدي رحمه الله المبلغ وقال اريدك اليوم تأتي بالسندات كي أحتفظ بهم ولا أتردد، فشكرت والدي وقبلت على رأسه وكنت أريد أقبل ركبته ورفع رأسي وقال يا دكتور غسان لا تنحني إلا لربك وابتسم في وجهي فتبسمت له وشكرته.

دخلت الإمتحانات واجتزتها بنجاح باهر ثم بدأ الفصل الثاني وبدأت معاناتي في دفع رسوم الفصل الثاني فقدمت على قرض من بنك التسليف الزراعي مئة ألف ريال وسددت رسوم الفصل الثاني وإعداد رسالة الماجستير وخصم ثلث من راتبي وتقشفت أنا وأولادي ومرت علينا أشهر عجاف وصبرنا حتى نلت درجة الماجستير بامتياز، ثم انتقلت من التربية إلى جامعة عدن (خفض وإضافة) وخفض راتبي وتبقى الأساسي وكنت استلم 36 الف ريال فقط بما يعادل 150 دولار !!!

عندما ذهبت إلى المحاسب كي استلم راتبي وجدت مجموعة ومن الزملاء الدكاتره يستلمون راتبهم فشعرت بحرج كبير لأن الدكتور الجامعي حينها كان يستلم بما يعادل 1150 دولار وأنا بما يعادل 150 دولار فقط، وكنت اجلس إلى آخر وأحد كي لا يرى راتبي الفتات أحد من الزملاء الدكاتره فيشمت بي، فأخذت عهد على نفسي بأن أحصل على الدكتوراه قريبا واحقق حلم والدي رحمه الله ...
بعد ستة أشهر جاءت الإضافة إلى راتبي وارتفع إلى 64 الف ريال تحسنت حالتي المادية قليلاً، فالتحقت ببرنامج الدكتوراه في جامعة عدن وكانت الدراسة مجاناً لاني عضو هيئة تدريسية مساعدة في الجامعة ...

عندما كنت اطلع باص كليتنا المتوجه من عدن الى زنجبار والعكس كنت أجلس في مؤخرة الباص وكنت اسمع من الزملاء الدكاتره بأن أحدهم حصل على مستحقات الدكتوراه واشترى شقة في انماء وآخر يقول أشترى سيارة وكانوا الزملاء الدكاتره يوقفون الباص عند أصحاب المانجا والموز والعنبا ويشترون وأنا لا يوجد لدي ريال إلا حق المواصلات من الشيخ إلى البريقة وأقول في نفسي قربت يا غسان إن شاء الله أحصل على الدكتوراه وأستلم مثلهم 1150 دولار واكمل بناء منزلي واشتري سيارة فوكسي وأشتري مانجا وعنبا وموز مع الزملاء الدكاتره واشاركهم النقاش ...

أكملت دراسة الدكتوراه وناقشت الأطروحة وحضر والدي النقاش وكان فرحان أكثر مني وبعد حصولي على الدكتوراه بامتياز قال لي والدي الآن ساقول لك بروفيسور غسان وأنا متأكد انك ستحصل عليها قريباً إن شاء الله، فوعدت والدي رحمه الله أنني سابذل قصارى جهدي كي أحصل على هذا اللقب العلمي الرفيع ...

دخلت في سباق مع الزمن كي أحصل على تسوية راتبي الدكتوراه وكانت هناك إجراءات بيروقراطية عقيمة خضناها وبعد جهد جهيد حصلت على تسوية راتبي عام 2018م وتنفست الصعداء وكنت اسدد الديون المتراكمة وبعدها هبطت العملة هبوطاً مدويا وبدل أن استلم راتب ما يعادل 1150 دولار واحقق أحلامي هبط راتب الدكتور الجامعي إلى 150 دولار وهو الراتب الذي كنت استحي منه عندما انتقلت إلى الجامعة فعدت إلى مربع الصفر عجبي !!!


د.غسان ناصر عبادي