آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-06:02ص


فجوة التقدم بين الغرب والعرب

الإثنين - 24 يونيو 2024 - الساعة 11:35 ص

محمد العنبري
بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


لقد شغلت قضية تقدم الغرب وأمريكا وتخلف العالم العربي العديد من الباحثين والمفكرين على مر العصور هذه المسألة تتطلب تناولاً دقيقاً وشاملاً للأبعاد التاريخية والثقافية و السياسية والاقتصادية التي أسهمت في تكوين هذا الفارق الحضاري لفهم هذه الظاهرة، يجب النظر في مجموعة من العوامل التي تضافرت معاً لتشكيل هذا الواقع المعاصر.
في العصور الوسطى كانت الحضارة الإسلامية في ذروتها، وقدمت إسهامات كبيرة في مجالات العلوم الفلسفة الطب والفلك برزت مراكز علمية وثقافية كبرى مثل بغداد وقرطبة والقاهرة التي أصبحت منارات للعلم والمعرفة هذه الفترة الذهبية للعرب لم تكن مجرد نتاج لحظي، بل كانت نتيجة لعوامل متعددة من بينها تبني نهج علمي واستكشافي، والانفتاح على الثقافات الأخرى، والدعم الكبير الذي قدمته الدولة للعلماء والمفكرين.
لكن مع مرور الزمن بدأ الانحطاط يدب في أرجاء العالم الإسلامي، ولعل أحد الأسباب الرئيسية كان التشتت السياسي والانقسامات الداخلية التي أدت إلى ضعف الدول وتراجعها في الوقت نفسه، بدأت أوروبا في الخروج من عصور الظلام ودخلت عصر النهضة، مستفيدة من التراكم المعرفي الذي نقلته عن طريق الترجمات من العربية والاتصال بالعالم الإسلامي هذا التفاعل الثقافي والعلمي مع الحضارة الإسلامية كان له دور كبير في إيقاظ أوروبا وإطلاق شرارة التقدم العلمي والصناعي.
علاوة على ذلك شهدت أوروبا في القرون التالية سلسلة من التطورات الحاسمة مثل الإصلاح الديني والثورة الصناعية والتقدم في المجالات العلمية والتكنولوجية هذه التطورات كانت نتيجة لعوامل متعددة منها التركيز على التعليم، وحرية البحث العلمي، والدعم المؤسسي للابتكار في المقابل، عانى العالم العربي من استمرار الصراعات الداخلية والخارجية، والاستعمار الأوروبي الذي فرض قيوداً على التطور الذاتي وعرقل مسارات النمو الطبيعية.
أيضاً من العوامل المؤثرة في تراجع العالم العربي هو النظام التعليمي الذي تراجع دوره في تشجيع التفكير النقدي والإبداعي بينما ركزت الدول الغربية على تطوير أنظمتها التعليمية بما يعزز من قدرات الفرد على الابتكار والبحث، ظل التعليم في العالم العربي يفتقر إلى هذه المقومات، مما أدى إلى تراجع مستوى الكفاءات والقدرات البشرية هذا التراجع لم يكن فقط في المجالات العلمية، بل امتد إلى جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث غابت الحريات الفكرية والسياسية في العديد من البلدان العربية.
كما أن الثقافة المجتمعية في العالم العربي لعبت دوراً في هذا التراجع فالتركيز على العادات والتقاليد بشكل مفرط، والتمسك بمفاهيم تقليدية متصلبة، وعدم الاستعداد لتقبل الأفكار الجديدة والتغيير أسهمت في بقاء المجتمع في حالة من الجمود بينما استطاعت المجتمعات الغربية أن تحدث ثورة فكرية ونفسية على مستوى الأفراد والمؤسسات، مما مكنها من مواكبة التطورات العالمية والاستفادة منها.
ومن الجانب الاقتصادي شهدت الدول الغربية نهضة اقتصادية مبنية على الاستغلال الأمثل للموارد، والتطور الصناعي والتكنولوجي، وإقامة نظام اقتصادي ليبرالي يتيح للأفراد حرية الابتكار والاستثمار في المقابل، ظلت الاقتصادات العربية تعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، ولم تستطع تنويع مصادر دخلها أو تطوير قطاعات صناعية وتكنولوجية متقدمة، مما جعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وتقلبات السوق.
السياسات الحكومية أيضا لعبت دورا حاسما في هذه الفجوة الحكومات العربية غالبا ما تكون مركزية ومستبدة، تفتقر إلى الشفافية والمساءلة، مما يؤدي إلى فساد مؤسسي وعدم كفاءة في الإدارة العامة بينما في الدول الغربية، ساعدت الديمقراطية والمؤسسات القوية والشفافة على خلق بيئة مواتية للتطور والنمو.
كل هذه العوامل مجتمعة تساهم في تفسير الفجوة الحضارية بين الغرب والعالم العربي ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن العالم العربي يمتلك إمكانيات هائلة يمكن استغلالها للنهوض مجدداً، وذلك من خلال تعزيز التعليم والبحث العلمي، وتبني سياسات تنموية شاملة، وتشجيع الابتكار والإبداع، والاهتمام بتطوير المؤسسات الديمقراطية والشفافية، وبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
السبيل إلى النهوض مجدداً يتطلب جهداً جماعياً من الحكومات والمجتمعات والأفراد، وتغييراً جوهرياً في الفكر والثقافة والسياسات التحول نحو المستقبل يتطلب رؤية واضحة وإرادة قوية للتغلب على التحديات واستعادة مكانة العرب كرواد في الحضارة العالمية.