آخر تحديث :الأربعاء-30 أكتوبر 2024-08:01م

أيام غزة

الخميس - 20 يونيو 2024 - الساعة 08:06 م
حسين السليماني الحنشي

بقلم: حسين السليماني الحنشي
- ارشيف الكاتب




في تلك الظلمة ، وفي ذلك اليوم شديد الكرب .
باتت مدينتي الصغيرة (غزة) ومساكنها الكثيفة وشوارعها الضيقة ، بوضع لم تعرفه من قبل، فقد مر بها الكثير من المجرمين والظلمة والمستعمرين ، لكن لم تشهد مثل إجرام دموي فضيع على يد من وصفهم الله بأنهم قتلت الانبياء والمرسلين والصالحين!
قلبني النوم ، وأنا على ظهر أبي لعدم مقاومتي الإرهاق، وأنا أظن أنني في المنام...
اتقلّب وكانها لذقات تلذقني، كنت أسمع أصوات وأحسبها بعوض، فشتد علي الألم حتى ظننت أني أحك بظفري جلدي الذي يسيل الدم وكنت اتحسسه بيدي...
اشتد بي الألم ، فنهضت من نومي قبل أن استكمله .
كانت البعوض التي تئز هي طائرة حربية لا ترحم، غير الطائرات المسيرة التي لاتقف في سماء المدينة، نظرت حولي الاطفال والنساء والرجال منهم من يهرب وهو يجري وخلفه كثير ،كانت ظلمة الليل لايبددها غير بدر السماء، ولم يكن معنا مصابيح الدنيا ولا حكوماتها. فنظرت إلى من حولي لماذا لايهربون؟ كانت لعبهم حولهم لكنهم لايلعبون، كان أكثرهم يتقلب من شدت الآلام المصاحبة للجروح .
هناك طفل صغير لايحسن الحديث ، يحك جلده مثلي أيضاً مما علق به من مفرقعات ومتفجرات ...
كان يسيل الدم من قدميه وهو لايعلم من أين مصدرها؟
كان هناك أطفال وكأن على أعينهم أربطة لايرون وهم واقفون ظننت أنهم الوحيدون من يلعب أو أنهم بالفعل يلعبون، لكن كان وجه كل واحد منهم، ممتلئ بالتراب المخلوط بالرمادي والدم، وهم يبعدون عن أبصارهم ما حجب عنهم الرؤية!
نهضت بقوة إليهم حتى نلعب، لكن كانت قدماي مبتورة، يأتي أحد الرجال يحملني ويجري بي ويضعني على نقالة مع إشلاء ممزقة، غلبني النوم...
كانت هذه هي حياتنا اليومية بغزة، ينام كثير منا وهو يئن من شدة الجروح والجوع، ينتظر الصباح بفارغ الصبر ، لعله يوم جديد يتغنى به وينشد المارين في السوق المكتض بالمتسوقين هنا ورد الربيع من يشتريها هدية لمن يحب!
كرهنا الاستيقاظ وكرهنا النوم وكرهنا الصباح!
أجساد ممرغة بالتراب …
نخرج كل يوم من تحت الركام مسرعين نلتفت يمينا ويسارا خوفا من رؤية الطائران أو سماع أصوات الصواريخ…
كانت تأتينا القذائف الصاروخية من كل مكان حتى الشاطىء الجميل أصبح ممتلئ بالدبابات والمدفعية الثقيلة ، والمزارع المحيطة بنا التي كنا نقطف ثمارها أصبحت خاوية على عروشها.
لا نعرف الاستحمام، بل كنا لانشرب الماء ولا نأكل الأكل أن وجد ؛ لأن دورات المياه لاتوجد، ولانغسل وجوهنا بالماء عند كل صباح....
هجرنا اللعب والحفلات بل ونخرج من بيوتنا كل يوم نزوح نزوح...
حتى الهواء صار ملوث والمياه لم تعد صالحة للشرب.
الصغار أنظر إليهم لا إبتسامة يحملونها، الشباب والكبار من الرجال والنساء لم يعد المكان كما كان ...
من زرع فينا هذا ؟
من زرع البكاء على وجوه الأطفال والنساء كل يوم؟
لماذا هذا كله؛ لأننا نريد أن نعيش بارضنا احرار مثل شعوب العالم؟
لماذا نحن من بين العالم كله، نشيع الجنائز ومن كل مكان، ولا حصر لها؟!
إن أكبر جريمة عندما تظن أن عصبة الأمم تناقش قضيتك وتحاول حمايتك وحماية السكان بالقانون الذي وضعوه فتركوه للكلاب المسعورة!
خدع الكثيرون بهم، لكن جنائز غزة ، كشفت حقيقتهم!
يالهم من مجرمين وصلوا إلى حد كبير من الفساد في الأرض .
حتى الشيطان استسلم ولم يعد شيطان، بل صار يتوسل إليهم بأن يعلموه المهارات التي تفوق قدراته الشيطانية!!!