آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-02:37م

"سيناريو الطريق إلى جهنم"

السبت - 15 يونيو 2024 - الساعة 06:41 ص
نايف القانص

بقلم: نايف القانص
- ارشيف الكاتب




نايف القانص


لا أتحدث هنا عن جهنم المجاز أو عن مسرحٍ وجمهور مجازيين، بل عن جحيمٍ واقعي وأدوار لا يجيد لاعبوها لعبها كي يخدموا واقعهم ويرضوا تطلعات وآمال جمهورهم الكبير المتعطش للحبكة الوطنية والنهايات السعيدة.

ما قبل ١٩٦٢ وما بعدها كانت جهنم مفتوحة، وفي محاولة لإغلاق أبوابها إلى ١٩٦٧ أُسدلَ الستار على ذلك المسرح الجهنمي إلى ١٩٧٤ ومنها ١٩٧٨، وفي هذا العام العصيب صعد على المسرح اليمني أربعة أبطال في الشمال سقط منهم اثنان ونجا ثالث واستمر رابع، واثنان على مسرح الجنوب سقط واحد واستمر آخر كما تمت محاولة انقلابية على مسرح الشمال لم يكتب لها النجاح وما تزال أبواب جهنم مفتوحة.

بعد ١٩٧٨ تحولت السيناريوهات المتناقضة إلى سيناريو واحد بالتحديد في ١٩٨٢، وهو السيناريو الذي جمع كل الممثلين في مسرح الميثاق الوطني بدار أوبرا (المؤتمر الشعبي العام) ومثل ذلك إغلاق مؤقت لأبواب جهنم، لتستمر فصول المسرحية المتناقضة، لكن في مجملها استطاع الجمهور المتابع أن يجد من المتعة والألم والإعجاب والإزعاج ما يمكنه من حالة البقاء في مكانه لمتابعة تطورات المشهد تلو المشهد الذي كان الجمهور يلمس إبداعه ويخيب في مشاهد أخرى، لكنه مع كل المتناقضات أحدث وعياً ثقافياً لدى الجمهور وأحدث بناء وتنمية على خشبة المسرح رغم تواضعها، في المقابل وفي المسرح الآخر ١٩٨٦ فُتح أحد أبواب جهنم وهدم المسرح على الرؤوس في سيناريو دموي لم ينج منه إلا القلة وانعكس المشهد الدموي على الجمهور الكبير ليقضي على الآلاف ويشرد عشرات الآلاف لينظم من تشرد إلى المسرح الآخر (الأم) وتستمر الحكاية والمشاهدات على مسرحين حتى ١٩٩٠ الذي شهد توسيع المسرح ليضم خيرة وأبرع الممثلين وهو ما حصل على أوسع قاعدة جماهيرية بعد إغلاق جميع الأبواب التي تؤدي إلى جهنم، وبقي الجمهور العريض يصفق له حتى ١٩٩٤ لتُفتَحَ أبوابُ جهنم -من جديد- الأمر الذي أصاب الممثلين بالغرور والتنافس على الأدوار الأكبر ولعب البطولة والبطولة المطلقة التي تفرد بها البعض بعد أن كانت بطولة جماعية مشتركة بين كل من وقف على المسرح ليعود السيناريو الدموي- من جديد- ويقضى على أهم المبدعين في تكوين المسرح الكبير الذي لاقى قاعدة شعبية كبيرة لينتقل المسرح- من جديد- بعد دخول ممثلين أصوليين على الخشبة يعشقون مشاهد جهنم باعتبارها طريقهم إلى الجنة من ١٩٩٤ وحتى ١٩٩٧ في مشاهد صاخبة أحدثت انقسامات كبيرة لدى الجمهور واستمرت الحكاية وحالة الرعب والانقسام حتى ٢٠٠٢ لنشاهد محاولة إيجاد مسرح جديد ينافس المسرح الأول على نفس خشبة المسرح (مسرح معارض) كلٌ يلعب حسب السيناريو المعد له من قبل المخرج ليشهد المسرح الأول في ٢٠٠٤ على حافة جهنم وبدأ سيناريو رعب في إقصاء شماله في ستة مشاهد جهنمية مرعبة تزامن معها سيناريو مشترك في منافسة درامية بين المشهدين في ٢٠٠٦ ابتعد قليلا عن مشرف جهنم تفوق فيها المسرح الأول بحكم خبرته وإمكاناته لنشاهد مسرحا آخر يظهر في أقصى جنوب المسرح ٢٠٠٧ يلعبه ممثلون مغمورون ومبدعون بسيناريو يحاول الابتعاد من جهنم لكنه بين الحين والآخر يحاول طرق أبوابها وتتوسع معه المشاهد هنا وهناك لكنها جميعا حافظت على خشبة المسرح ولم تسقطه في قعر جهنم حتى عام ٢٠١١ الذي فيه تشتعل المنافسة في الدراما المرعبة التي فتحت كل الأبواب المغلقة نحو جهنم بأحداثها التي جمعت المتناقضات على أحد أطراف خشبة المسرح في مد وجزر على حافة الهاوية إلى سقر في مشاهد مرعبة يسقط فيها الضحايا من الجمهور خاصة، لكن هنا أيضاً كانت محاولة إحراق بطل المسرح الآخر بنار جهنم التي شوت جسده في مشهد دموي مرعب نجا فيه بأعجوبة رغم احتراق جسده ومن في جواره ليتدخل الأشقاء الأشقياء بحق الجوار محاولين توحيد المسرحين وإنقاذهما من الحريق الشامل تحت دور بطولي لممثل آخر ومناصفة الأدوار لبقية الممثلين من ٢٠١٢ حتى ٢٠١٤ في محاولة انتقال المشاهد من المرعبة والابتعاد قليلا من جهنم المتقدة وبتصنع دون إبداع لأن البطل لا يجيد لعب الدور الذي رسم له كونه أكبر من قدراته وهو لا يملك الموهبة أو حتى كاريزما الوقوف على المسرح، ووجود سيناريوهان ومخرجان وكل سيناريو يتناقض مع الآخر وخاصة أن لاعبي الأدوار الأصولية هم أصحاب اليد العليا في الأدوار ولم يسمحوا له بإخراج الأدوار الموكلة إليه من مشاهد الرعب التي اعتمدت عليها الأطراف الأصولية والمتشددة بسيناريوهات هي لا تجد غيرها في أكشن الدمار، ونظرا لوجود طرفين في المسرح لديهما خبرة في إجادة اللعب على أدوار المَشاهد المرعبة كما أنها تمتلك مفاتيح أبواب جهنم، لذلك اجتاحت المسرح في الربع الأخير من ٢٠١٤ وفتحت الأبواب على مصراعيها إلى قعر جهنم ورمت بجميع المنافسين خارج المسرح باستثناء السماح لأبطال المشاهد القديمة من أداء دور كمبارس في مشاهد معينة ليتنقل بالمسرحية من المحلية إلى الإقليمية والدولية عام ٢٠١٥ في مشاهد رعب عالمية تصاحبت معها براكين من حمم جهنم استهدفت الجمهور وأصبح الممثلون يشاهدون براكين الرعب من على خشبة المسرح تسقط على رؤوس الجمهور في دراما مستمرة حتى ٢٠٢٢ والكل يصارع للهروب من جهنم لينتقل السيناريو إلى مشاهد أخرى بعد تشظي المسرح وتشريد الجمهور وحرق المكان الذي كان يتخذه الجمهور مجالاً له ومساحة أمان من عبث اللاعبين على خشبة المسرح حتى تشرد أغلبه في بقاع الأرض وما تزال المشاهد من جهنم مستمرة حتى اليوم ٢٠٢٤ ولكنها ضبابية مع مشاهد أخرى داخل البحار المظلمة التي تحمل في طياتها حمماً بركانية ستذيب الجبال بمشاركة أبطال عالميين في رعب لن يكون له نهاية.
بعد كل هذا؛ أليست جهنم الحقيقية أرحم لهذا الجمهور من هكذا سياسة مع لاعبين عبثيين يفتقرون لثقافة لعب الأدوار وليس لهم أي شيء من أبجديات الفن والانفتاح على الجمهور والحفاظ على تنوع الممثلين والمشاهد خارج عذاب جهنم حتى حضورهم بمشاهد الرعب كلها على حافة جهنم بسياسة ليس لها علاقة بأصول السياسة.
إذن، دعونا من هذه السياسة وتعالوا معي إلى جهنم فهي أرحم لنا من هذا الجحيم وكل هذا اللعب بالنار...