آخر تحديث :الأربعاء-30 أكتوبر 2024-08:01م

يا راحلين إلى الحرم

الخميس - 13 يونيو 2024 - الساعة 08:59 ص
حسين السليماني الحنشي

بقلم: حسين السليماني الحنشي
- ارشيف الكاتب





[يا راحلين إلى منى بغيابي
هيجتموا يوم الرحيل فؤادي]
يزداد الشوق والحنين إلى تلك البقاع الطاهرة، فسبحان من جعل حبها كبير وعظيم عند كل مسلم!
حينما تقارن تلك البلاد المقدسة ، بغيرها من بلدان العالم ، تجد المقارنة بعيدة، وهي أرض كما قال الله على لسان، إبراهيم عليه السلام:((ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون)) نعم، أنها أرض خالية من كل رغبات الإنسان الدنيوية، لكنها في المقابل أرض تمتلئ بالمحبين، والذي زيّن الله حبها في قلوبهم، فهي تفيض بهم وبشعورهم الظاهر عليهم بالحب الذي لا يوصف!
يالها من كرامة حازتها تلك البقاع من بين كل بلدان العالم!
ففيها تنظر إلى البيت العتيق، المعلقة به القلوب، وترى مواكب الحجيج والعبرات التي ترافقهم قبل خروجهم من أوطانهم.... وتراها في يوم العيد تتكرر من المنقطعين عن الحج، تسمع التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الأضحى وهم يدعون لك بالتوفيق بالحج!
نعم، تسير مواكبهم وتسير القلوب معهم.
هناك من يحرم جفنه المنام للحنين...
إن عشق تلك المناسك يزيد العشاق عشقا وهم يطيرون بأرواحهم إلى المناسك فتجد من يطوف منهم ويرمي ويطلع جبل الرحمة، ويناجي ربه وكأنه أتمم مابين الصفا والمروة!  
ومنهم من يعيش اللحظات مع الحجاج بمخيمات منى!
ومنهم من يتعجل وما يدري إلا وهو يسلم على الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم، ثم يخرج إلى البقيع وينظر إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، بل ولايزال يحلق بمدينة رسول الله ، ويأكل من ثمرات المدينة، ويزور الشهداء ويقف بجبل الرماة لتأتيه العِبرَ ممن سبقوا ...
وما يأخذ من الوقت اليسير إلا وهو يصلي بمسجد ـ قباء ـ وتمر به اللحظة تلو الأخرى وهو يعيش الحب الذي يعجز اللسان عن وصفه!!
وهناك من احتبس ومنعه العذر، وسار الركب عنه وتركه متيماً بالشوق!
وكأنه واقف على الأطلال، بمكان موحش، حيث لا يسمع النداء ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك...)) ولا يرا الحجاج وملابس الإحرام بالحج، تمر أمامه، ومنهم من وصلت به الأحلام إلى زمزم وإلى مقام إبراهيم وهو يناجي ربه الكريم، ويسمع أصوت الحجاج تأتيه من كل مكان...
إنها مواقف تشقعر منها الأبدان، يا لها من مناسك يطوف بها الحاج ويزداد منها بالأجر الذي يمسح صفحات من مآسي الذنوب؛ أنه ـ الكير ـ الذي يجعل المعادن تلمع بعد ما تعرض عليه، أنه الحج الذي ترجع منه كيوم ولدتك أمك! نعم، لقد صدق رسول الله حينما قال:((الحج عرفة)) التي تجلو كلّ الذنوب!
يالسعادة الحجاج بما هم فيه، وما أحلى الرحيل الى (مني) والمبيت فيها، وما أحلى أفواج الحجيج وهم يسيرون لرمي الجمرات ، وما أحلى مناظر الحجاج وهم يحلقون رؤوسهم حينما يتممون مناسك يوم العيد، فيلبسون على أجسادهم ملابس لم تعرف أجسادهم جمالها ولذتها حينما يعلمون أنهم في أطهر بقاع الأرض!
هنا ينتشرون إلى ما أباح الله لهم من ملذات الحياة بيوم العيد، وما أحلى أيام التشريق 
وكما قال الشاعر:
((حجوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم
باتوا بِمُزدَلَفَة بغيرِ تمادِ
ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها
وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي
حلقوا رؤوسَهمو وقصّوا ظُفرَهُم
قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ)) أنها كرامات وهبها الله لضيوفه، فيارب كما اعطيتهم من فضلك فلا تحرمنا أجرهم، ووصلنا يارب
كما اوصلتهم!
نعم، لقد فارقوا الأحبة والديار وبذلوا الغالي والنفيس من أجل نظرة للبيت العتيق وحبا لتلك البقاع الطاهرة ، وتلك المناسك الجميلة التي لأتخلوا من المواعظ والحكم....
فارقوا الأحباب والأولاد والاصحاب والمصالح، وجلس الجميع سواء بكل نسك يمرون عليه، لبسهم واحد وأكلهم واحد وفرشهم واحد وبيوتهم واحدة ومغاسلهم واحدة، ألكل منهم ينظر للكل بالحب والحنان والعطف....
يا لها من مواقف تقطع القلب، وتجري بدمع العين!!!