آخر تحديث :السبت-23 نوفمبر 2024-10:28ص

القضاء كما لا يجب أن يكون! 4/3

الثلاثاء - 21 مايو 2024 - الساعة 01:42 م
رواء عبدالله مجاهد

بقلم: رواء عبدالله مجاهد
- ارشيف الكاتب


3- الخبز بالجبن!
في خضم كل ما يحدث في السلطة القضائية من إخفاقات و نوازل، والتي سبق الحديث عنها في الأجزاء السابقة من المقال، أو في غيرها من المقالات، يوجد سؤال يطرح نفسه بقوة أمامنا وهو: أين هم قضاة اليمن ؟ أين هم من استخلفهم الله في أرضه و تحملوا أمانة إعمار الأرض ، و إقامة العدل ؟ أين هم حملة لواء الدستور و القانون ؟ أين هم من أقسموا اليمين عند توليهم القضاء بأن يتمسكوا بكتاب الله و سنة رسوله ، و أقسموا على احترام الدستور و القانون ، أين من وضعوا يدهم على كتاب الله و أقسموا على الحرص على شرف القضاء و الحرص على مصالح الشعب !

أين هم؟
وللإجابة على التساؤل المطروح نجد أن القاعدة العامة السائدة هو أن القضاة عجزوا عن الوقوف أمام الموجة العاتية التي تقاذفت بالمؤسسة القضائية ، بل حتى أنهم لم يملكوا التلويح بيدهم استنكارًا لما يحدث ، لا سيما في ظل انقسام قيادات نادي قضاة اليمن و الذي هو الكيان المنتخب الشرعي الوحيد الممثل لقضاة اليمن شمالًا وجنوبًا و الاستيلاء على مخصصاته ، وتفريط رئيس نادي قضاة اليمن بأمانته ، وتفضيله للجوء خارج البلاد وترك القلعة والجبل ، المهم أن يستلم راتبه كاملًا و يحصل على ترقية كاملة غير منقوصة ، و يحصل على جميع الامتيازات ، فالسكوت له ثمن ، و الخذلان أيضاً له ثمن . ضف إلى ذلك أن ارتباك وضع الدولة جعل الباب مشرعاً لتسلق الكيانات المؤدلجة لتطغى و تسيطر و تمدد و لا تبالي ، و التي حولت القضاة إلى أدوات طائعة لتنفيذ أجندتها و دون أن يشعروا . و في العموم .. فأنا لا أتعجب من التمزق القضائي ، فالقرار الوطني برمته أيضاً ممزق ، و السيادة الوطنية في خبر كان . و لكن .. استمرار الإضمحلال القضائي دون مواجهة ، و دون وجود لأي بارقة أمل في اصلاحه ممن هم مخولين من السماء في إعمار الأرض و ملؤها عدلاً و استقامة هو الذي يجب الوقوف أمامه ، فصمت القضاة معيب و مخزي مع الأسف .

و هذا الصمت لقضاة اليمن له مسالك منهم من كان صمته راجع إلى قلة حيلته فهو لا يملك إلا أضعف الإيمان ولا ينكر الواقع إلا بقلبه . ومنهم من انتفع من المرحلة فلكل مرحلة رجالها ، كان من قبل لا شيء وأصبح الآن كل شيء ، بل أن منهم من يعلم بقرارة نفسه بحالة الخراب التي وصل لها القضاء ، و يعلم أن القيادات القضائية لا يُرتجى منها خير ، لكنهم صفقوا للقيادات البائسة و ركبوا الموجة و نافقوا و داهنوا و وزعوا صكوك الوطنية بحسب الأهواء ، فكل ما يهمهم هي مصلحتهم الخاصة .

و منهم من استغل وضع الغوغائية التي تسود الوطن ، و العشوائية و الانفلات القضائي و سال لعابه نحو ..... ، و إن كان يبرر لنفسه مسلكه بعدة مبررات يزينها له شيطانه ليتخلص من تأنيب الضمير ابتداء فقط ، ثم لا يلبث إلا أن يُشيّع ضميره في أقرب جنازة .

إنما .. تظل السمة الغالبة بين القضاة لقضاة صابرين محتسبين رابطين على بطونهم وهم يتقاضون فتات الفتات ، مغلوبين على أمرهم ، ينتظرون فرجاً من الله ، و من عارض أو أعترض منهم تعرض للتنكيل و التهميش و الاقصاء .

و لكن و مع تقديري فكل الحالات السابقة لن تبني و لن تعمر و لن تصلح ، و لا تعفي القضاة من تفريطهم باليمين التي أقسموها ، فهذا الذي فتح المجال أمام القيادات القضائية شمالًا وجنوبًا للعبث كيفما شاءت غير مبالية بأحد ، و تعمل على التنكيل بمن تريد دون أدنى معارضة .

و المضحك و المبكي في ذات الوقت أن إعلام مجلسي القضاء في الشمال و الجنوب يُصدِّر أن المجلس يعمل على إحالة قضاة للمحاسبة ؟
فيا ترى من هم القضاة اللذين يحالوا للمحاسبة ؟ هل هذا القاضي أو ذاك يحاسب لفساده ؟ أم لصلاحه ؟
و إذا افترضنا جدلاً أن من تم إحالته للمحاسبة توافرت أدلة على فساده ، فهل هو الفاسد فقط ، أم أن هناك فاسدون يفوقون فساده بمراحل ومع ذلك تتم ترقيتهم و مكافئتهم .

الواقع المرير بيّن أن من تتم محاسبتهم نوعان لا ثالث لهم ، فهم إما قضاة شرفاء أكفاء يستخدم المجلس عصاته الجائرة ضدهم ، أو قضاة فاسدين فعلياً إنما بدون ( داعم سياسي) و بدون ( واسطة ) ، ذلك لأن هناك الكثيريييين من الفاسدين ومع ذلك يتم تقليدهم المناصب العُلا !!

و لما سبق عرضه يتبين أن قضاة اليمن أكلوا الخبز بالجبن ، نعم ... أكل قضاة اليمن الخبز بالجبن ، و ارتضوا لأنفسهم بأقل أقل القليل دون أن يستطيعون مواجهة العبث في مؤسسة القضاء ببنت شفه ، و كانوا أشبه بقوم موسى الذي استخف بهم فرعون فاطاعوه .
جُيرت المؤسسة القضائية شمالًا وجنوبًا سياسيًا وهم صامتون ، حرموا من حقوقهم و هم صامتون ، تقادفت المؤسسة القضائية الخروقات القانونية وهم صامتون ، يتم التنكيل بزملائهم وهم صامتون .. إلى متى ؟

فهاهي القاضي نورا ضيف الله التي جسدت معنى القاضي القوي النزيه المستقل ، و التي ملئت الساحة القضائية عدلاً ، و التي لو كانت توجد معايير فعلية في اختيار القيادات القضائية لكانت تتولى زمام المؤسسة القضائية تُحرم من أبسط أبسط حقوقها .

و ها هو القاضي عبدالوهاب قطران وجه الحرية الذي أرعد بالدفاع عن الحقوق و الحريات يتم التنكيل به أسوأ تنكيل ، و خذل القضاة بعضهم البعض في نصرته . و ها هم القضاة الشرفاء الأكفاء يحرمون من أبسط أبسط حقوقهم و القضاة صامتون ، و ينتظرون من نقابة الإداريين أن تحقق لهم الأمنيات ! .

يا قضاة اليمن أعلموا أنكم السؤال و الجواب ، فأنتم من بيدكم صلاح الحال ، أنتم من تملكون زمام الأمور فالقرار الفصل و الأخير لكم ، انبذوا الخوف و الجبن و الخنوع ، اتركوا الخضوع و الذل و الهوان ، تخلوا عن مصالحكم الخاصة و الضيقة ، فبانتظاركم هدف أسمى ، و غاية نبيلة . و على الأقل اشعروا قيادتكم بأنكم ترفضون هذا الوضع ، و اشعلوا المجموعات القضائية دفاعًا عن مؤسستكم و لا تجعلوها فقط لتبادل التعازي و التهاني .

يا قضاة اليمن .. نداء أخير .. عليكم أن تدركوا أن جلَّ صلاح مؤسستكم بأيديكم ، فبيدكم مفتاح الخير ، و أعلموا أن من عمق الضعف ينبثق الجبروت ، و أعملوا على أن يبدأ كل قاضي باصلاح نفسه و محيطه القضائي بكل ما يملك ، فهنا سيستقيم الحال لا محالة . و بعدها يمكن أن تنظموا انفسكم متى ما وجدت النية الصادقة و الرغبة النبيلة فيحدث التغيير . و لا تواجهوا كل تحرك من بعض زملائكم القلائل بالخذلاااان .
كفاكم جُبن .. كفاكم ذل ، كفاكم خنوع و استسلام .

يا قضاة اليمن .. نريد قضاء كامل السيادة يا سادة ..

القاضية. د/ رواء عبدالله مجاهد