آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-07:51ص


على بُعد خطوة

الإثنين - 20 مايو 2024 - الساعة 07:22 م

محمد الثريا
بقلم: محمد الثريا
- ارشيف الكاتب


من المرجح أن تفضي خارطة الطريق الأممية في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية مفترضة لحل الأزمة باليمن، على الأقل هذا ما يعلنه اليوم رعاة المسار الجديد لإنهاء النزاع في اليمن، وكما يبدو هنا أن ذلك يمثل توجها سياسيا لإحتواء الحوثيين بدرجة أساسية بعد أن تم إحتواء الأطراف المحلية الأخرى في مشاورات "تسويات" الرياض، وبالمحصلة يراد للتوجهين أن يصبا في مجرى مشروع سياسي جديد لإدارة البلد في مرحلة مابعد الحرب .
عند تلك النقطة وتحديدا مع إقتراب الإعلان عن إتفاق سياسي بين الحكومة الشرعية والحوثيين تحت مظلة السعودية والأمم المتحدة سيبرز لدينا تساؤل مهم جدا وهو !
هل بات من الممكن القول اليوم بأن الحوثي قد أصبح على بعد خطوة واحدة من التحول إلى أحد عناصر المعادلة الخليجية باليمن، أم أن الجماعة التي بدا أنها متفوقة ومتماسكة عقب عشر سنوات حرب لازالت قادرة على أن تحتفظ لنفسها بوضع خاص في جوف تلك المعادلة، لاسيما المجال الكافي لمراوغة متطلبات التحول القادم وإدارة العلاقة الجديدة مع قطبي الخليج من موقع الند؟
لكن قبل ذلك دعنا نشير مجددا إلى شكل المعادلة الخليجية ( إستراتيجية الهيمنة ) التي ظلت تدير المشهد في المناطق المحررة وتصبو ربما اليوم إلى إدارة المشهد اليمني عموما وفق نسخة محدثة تشمل طرف الحوثيين عقب موافقته الإنخراط في إتفاقية خارطة السلام المرتقبة، وهي المعادلة التي تناولناها قبل عامين وتمثلت في التصور التالي :
"يبقى من المهم جدا معرفة أنه ليس في وارد حسابات البلدين الخليجيين السعي لتأكيد مشاريع الداخل، فلا الرياض جادة في دعم مشروع الوحدة ولا ابوظبي هي الأخرى جادة في دعم الإنفصال، فما يصنعانه ليس أكثر من توظيف سياسي ناعم لشعارات تلك المشاريع وبما يضمن لهما إستمرار واقع الهيمنة على المشهد لأطول فترة ممكنة.
حيث تواصل المملكة اختزالها لقرار الداخل تحت عنوان دعم وحدة اليمن وسلامة أراضيه، في حين تمكنت الإمارات من وضع قدمها بالداخل عبر إيحاءات دعمها للإنفصال، بينما في حقيقة الأمر يسعى القطبان من وراء ذلك لتأكيد مصالحهما فقط " .

بيد أنه في الواقع، هناك إيران المحرك والداعم الذي لامجال للحوثيين من التخلي عنه أو حتى مجرد التفوه بكلمة دون الرجوع إليه، وهو بالفعل ما ظل يشكل تحديا أمام السعودية في محاولاتها المستمرة - من بوابة الوسيط - في جلب الحوثيين إلى طاولة الحوار السياسي طيلة السنوات الماضية قبل أن تتغير اللهجة مؤخرا ويتحول السعوديون في نظر الحوثي إلى أخوة وأشقاء.
ليس خفيا معرفة أن الإتفاق المتوقع لطي صفحة الحرب قائما بالأساس على توافقات مباشرة بين الرياض وطرف صنعاء ومنبثقة بطبيعة الحال عن تفاهمات غير مباشرة بين الأطراف الدولية الداعمة لذالكما الطرفين، ومع ذلك يسعى الطرفان - السعودية وسلطة صنعاء - نحو تجاوز تلك الحقيقة والإنتقال إلى تكثيف الخطاب الرسمي بشأن إتفاق سياسي يعقد بين الحكومة الشرعية والحوثيين بوساطة السعودية والأمم المتحدة في خطوة تكشف حجم التحولات القادمة التي آلت إليها تفاهمات الغرف المغلقة طوال الفترة الأخيرة الماضية.
حقيقة، لم يكن موقف الرياض من أحداث البحر الأحمر والمتمثل بممارسة سياسية النأي بالنفس أمرا مفاجئا، حيث سعت المملكة منذ وقت مبكر إلى مغازلة الحوثيين بغرض التوصل إلى إتفاق ينهي حالة المواجهة بينهما، ولعل أبرز تلك المحاولات والمؤشرات هي إشادة ولي العهد السعودي بنزعة الحوثي العروبية واليمنية في أبريل 2021، لينخرط بعد ذلك مسؤولون سعوديون أخرون في تبني لغة الغزل السياسي مع الحوثيين، فيما لاحقا خطت الرياض خطوتها الاجرئ عبر إعادة إحياء العلاقة مع سلطنة عمان وتأكيد الإستفادة من ذلك في منح مسقط دور الوسيط لفتح باب الحوار المباشر مع الحوثيين، وقد أفضت بالفعل تلك المساعي السعودية مجتمعة إلى ما كانت ترنو إليه منذ البداية.
غير أن الإشكالية التي برزت أمام الرياض في هذا الجانب كانت تكمن دائما في إصرار الحوثي المستمر على إبرام إتفاق مباشر وندي مع السعوديين كطرف في الحرب، وهو ما ترفض الرياض حتى الأن القبول به وتتحاشاه عن طريق التأكيد مرارا على طبيعة دورها كوسيط وداعم للجهود الأممية وحسب.

المؤكد أن السعودية راغبة وذاهبة بقوة نحو عقد إتفاق دائم لوقف الحرب وتعزيز مسار السلام مع الحوثيين ولو كلفها ذلك القبول بمتطلبات صفقة إقليمية جديدة وتبني مواقف سياسية مغايرة تجاه قضايا حساسة ما كان للرياض قبل اليوم أن تسمح لمجرد فتح باب النقاش حولها فقط.
في المقابل، يجد الحوثيين أنفسهم اليوم أمام خيار صعب جدا يتجسد ما بين التمسك مزيدا من الوقت في تأكيد نهجهم التصعيدي المعطل لفرص وقف الحرب أملا منهم بتحقيق مكاسب أكبر أثناء محاولة إستغلالهم الظرف الإقليمي الراهن وبين الجنوح سريعا لمسار الدبلوماسية والإكتفاء بالمعروض حاليا لاسيما مع تنامي المؤشرات مؤخرا في إمكانية دخولهم مربع العزلة الدولية جراء تعطيلهم المتواصل لجهود إرساء السلام باليمن كما تؤكد ذلك بيانات معظم القوى الفاعلة بالمجتمع الدولي، وهو الأمر الذي يحيل مجددا قرار خطوة الحوثيين التالية الى أصبع المركز في طهران وإخضاعها كليا لرياح العلاقة المستجدة بين إيران والسعودية، وبخاصة عقب منح واشنطن الرياض ضوء أخضرا لمواصلة السير في طريق عقد إتفاق سياسي مع الحوثيين.