آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-09:39م

تراجع مساحة ثقافة التسامح في العلاقات البشرية ..!!

الأربعاء - 24 أبريل 2024 - الساعة 03:21 م

إبراهيم ناصر الجرفي
بقلم: إبراهيم ناصر الجرفي
- ارشيف الكاتب


في حياة المجتمعات البشرية نوعان من الثقافة لا ثالث لهما ، وهما ثقافة التسامح ويندرج في اطارها كل المفاهيم والأفكار الإيجابية والخيرية ، كالسلام والحب والتعاون والتكاتف والتضامن والقبول بالآخر والتعايش السلمي مع الآخر ...الخ ، والنوع الثاني هي ثقافة الكراهية ويندرج في إطارها كل المفاهيم السلبية والشريرة ، كالعنف والبغض والهيمنة والتسلط والعداء للآخر والعنصرية وعدم القبول بالآخر ...الخ ، وهاتان الثقافتان في حالة من الصراع الدائم الذي لا يتوقف ، وللأسف الشديد تطغى ثقافة الكراهية على العلاقات بين الأمم والشعوب والحضارات البشرية في معظم الفترات التاريخية ، بل إن الباحث في كتب التاريخ سيجد بأن الأمم والحضارات والشعوب البشرية كانت وما تزال تعيش في حالة حرب متواصلة ، نتيجة التنافس السلبي الناتج عن الثقافة السلبية ، وما يحدث على مستوى الأمم والحضارات يحدث على مستوى المجتمعات والأسر والأفراد ..!!

وللأسف الشديد حتى الكثير من الأفكار والاجتهادات والدعوات الدينية البشرية كانت ولا تزال تشجع على ثقافة الكراهية ضد المخالف لها ، رغم أن الأديان السماوية وفي مقدمتها الإسلام قد أولى اهتماما كبيرا بثقافة التسامح ، بل ان القرآن الكريم قد أكد بأن غاية رسالة الإسلام هي الرحمة بالبشرية ، والرحمة هي الإطار العام لثقافة التسامح ، قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ، وهذا دليل واضح على عناية واهتمام الإسلام بثقافة التسامح ، في محاولة منه لتقليص مساحات ثقافة الكراهية في حياة البشر ، ولكن للأسف لم يلتزم الاجتهاد الديني البشري بتلك الدعوات الإلهية ، ولم يعطها حقها في البحث والاجتهاد بقدر تركيزه واهتمامه بالاجتهادات والافكار البشرية التي تعزز ثقافة الكراهية والعنف ضد الآخر الديني ، ليجعل المجتمعات البشرية في حالة حرب متواصلة ضد بعضها ..!!

وكل ذلك رغم أن هناك.الكثير من التشريعات الإسلامية التي تعزز ثقافة التسامح في التعامل مع الآخر الديني والمذهبي والطائفي ، لكن الصوت العالي والصولة والجولة للأسف الشديد هي لتلك الدعوات والاجتهادات البشرية التي تحرض على العنف والكراهية ضد الآخرين ، والتي تجعل من السيف والقتل والحرب وسيلة لنشر المعتقدات. الدينية والمذهبية والطائفية وتعميمها على الآخرين بالقوة ، فماذا تنتظر البشرية من تلك الثقافات الدينية المحصورة فقط في تعزيز قيم الكراهية والعنف والعداء للآخرين ، تلك الثقافات التي تخلوا مفرداتها من قيم ومبادئ التسامح والرحمة في التعامل مع الآخرين ، تلك الثقافات التي تجعل أتباع الأديان والمذاهب والطواثف في حالة من الحرب والصراع المستمر مع بعضهم البعض، تلك الثقافات التي لا تأخذ من التشريعات الإلهية إلا آيات الحرب والقتال. وتترك جانباً آيات التسامح والرحمة والتعايش السلمي مع الآخرين ، فالإسلام على سبيل المثال دين حرب عندما تكون الحرب ضرورية للدفاع عن النفس ورد عدوان المعتدين ورفع الظلم عن المظلومين ، قال تعالى (( قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) ، فالحرب في الإسلام ضرورة واستثناء ، بينما السلام والتسامح والتعايش السلمي مع الآخرين والتعاون والتعارف الإيجابي هو الأصل في علاقة المسلمين مع غيرهم ..!!

وبذلك فإن الاجتهادات والافكار البشرية هي التي كانت وما تزال تعزز ثقافة الكراهية والعنف في حياة المجتمعات البشرية ، لدواعي قد تكون سياسية أو اقتصادية أو سلطوية أو توسعية أو استعمارية أو انتقامية ، وكم هو مؤسف أن تتعالى الدعوات والاجتهادات والاصوات التي تدعوا إلى ثقافة الكراهية والعنف بين الإنسان وأخيه الإنسان ، في ظل تراجع الدعوات والاجتهادات والأصوات التي تدعوا إلى نشر ثقافة التسامح والرحمة والتعايش السلمي بين الأخوة البشر ، وهل كل تلك الأنهار من الدماء التي تسفك في كل بقاع الأرض إلا النتيجة الطبيعية لتعالي وتعاظم الاجتهادات والاصوات الداعية للكراهية والعنف ضد الآخر الديني والملي والحضاري والسياسي والفكري ، وكم هي البشرية اليوم في حاجة ماسة لتعزيز ودعم كل الدعوات والافكار التي تحفز وتعزز ثقافة وقيم التسامح والتعايش السلمي بين البشر ، وكم هي في حاجة للوقوف في وجه كل الدعوات والافكار والاجتهادات البشرية التي تدعوا إلى نشر ثقافة الكراهية والعنف والاقتتال والهيمنة والسيطرة والتسلط والتشدد والتطرف والارهاب ..!!