آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-08:15م

كيف يتم طباخة الدراما اليمنية في كل موسم ؟

السبت - 13 أبريل 2024 - الساعة 04:18 ص

فكري قاسم
بقلم: فكري قاسم
- ارشيف الكاتب


كيف يتم طباخة   الدراما اليمنية في كل موسم ؟ 
...........................................................
 بانتهاء شهر رمضان ينتهي شهر عسل الدراما اليمنية تلقائيا 
وهكذا في  كل عام ؛ تجي وتروح  الدراما حقنا ؛ مع مجيء وذهاب سمبوسة رمضان ؛ مع اختلاف الحشوة بس. 

في دراما بالدقة وفي دراما بالجبن ودراما بالعدس ودراما بالبطاط  ولكل مسلسل سمبوسي طريقة تحضير مختلفة والطبق واحد  والناس اذواق ؛ ورمضان هو رمضان؛  وجمهور الفرجة هو اللي يتغير ولا يمكن الامساك به ؛ لانه  صار على دراية اكبر بما هو جيد وماهو كلفتة وصار ويعرف طعم السمبوسة الاجود من السمبوسة الشمات ؛ ولم يعد بوسع الطاهي ان يخدعه. 
 
 وفي رايي الشخصي ان التطور في صناعة العجينة الدرامية اليمنية يبدو واضحا وملموسا من موسم لاخر - فقط-  على مستوى تقنيات الصورة وعلى مستوى الإخراج ومستوى اداء الممثلين ؛ ولكن معضلة "كشنة" النص الدرامي الجيد القائم على قصة روائية محبوكة ؛ مازالت قائمة بكل اعتواراتها حتى هذه اللحظة ؛ واليها ؛ ولا الى اي شيء اخر ؛  يعود السبب الرئيسي في خراب الطبخة.

ولو تشتوا تعرفوا يش الذي يحصل في كل موسم ؛ قبل تقديم طبق سمبوسة دراما رمضان للمشاهد اليمني؟
وليش مانلقاش القصة الدرامية السلسة والمتصاعدة في كل ؛ او لنقل ؛ في غالبية الاعمال اليمنية  التي تتنافس لتقديم الطبق الافضل لجمهور الفرجة ؟ ولتعرفوا اسباب خراب الطبخة وفقدان طعمها الحقيقي رغم الاموال الكبيرة التي يتم انفاقها من السنة للسنة  على صناعة سمبوسة دراما رمضان ؛ ركزوا معي على التالي: 
 
1-  في كل مطابخ الدراما الحقيقية يبدأ المنتجين والمخرجين من وقت مبكر البحث عن النص الجيد وعن القصة الجيدة  التي يفترض ان تدور حولها الاحداث . 
وفي مطبخنا الدرامي فقط  يحصل العبث في اصول الطبخة 
 ويبدأ المنتج في البحث عن طباخ فاضي ليطهو له مجموعة الاحداث التي يتخيلها في راسه ..كان يطلب من احدهم ؛  مثلا  ان يسلق له مسلسلا تدور احداثة عن غلاء المهور مثلا ؛ او عن ازمات ارتفاع الاسعار او عن الثأر ؛ او عن اي شيء من هذا القبيل ! 
ويقوم الطباخ حينها بتقطيع كتل من الاحداث والمواقف والانفعالات المتفرقة التي تدور حول نفس الموضوع الذي يشتي يصنع منه المسلسل ؛ومن ثم يقوم بعكرعها جميعا من بعد ذلك في دست الطهو الدرامي ؛ ويجلس يقلبها ويعمل البهارات ؛ من دون ان تكون لديه فكرة واضحة حول " ايش الذي  يشتي يقوله بالضبط ؟" ويستمر في الطبخ داخل الدست هكذا اعتباطا ؛ من دون قصة لها بداية ووسط ونهاية ؛ويظل يخضب  الاحداث ويملططها ويمطها ويطولها ويعرضها دون اي ترابط درامي ؛ وكلما نضج له حدث فوق الملحة ؛ يشعر بنشوة الطباخ ويضيف حدث اخر للدست ؛ و لايعنيه ان يكون له علاقة درامية بفكرة الطبخة نفسها التي على النار ؛ او لا ! المهم  ان يكون للحدث المضاف  نفس الرائحة ونفس الطعم! 
وعادة مايبدأ الطباخ وهو جالس فوق الملحة؛ بوضع احداث بسيطة  هي في تركيبتها تصلح لان يطهو بها " اسكتش " فقط ؛ ومش اكثر من ذلك ؛ ولكن لانه طاه  يطبخ بلا قصة وبلا نص وبلا فكرة واضحة ؛ فانه يمط ذلك الاسكتش تماما سعما يمطوا اللبانة!  
ويضيف له احداث ومواقف وانفعالات وصراع ؛ حتى يجعل منه مسلسلا مسلوق من ثلاثين بيضة ؛ تصير فيما بعد 30 حلقة تلفزيونية يتكعفها المشاهد ؛ تماما  كمثل كثير من المسلسلات التي نشوفها في القنوات الفضائية ؛ وننسجم مع حدث معين في بداية الامر ؛ونعتقد انه لب الموضوع الذي سيتصاعد دراميا حتى يصل بنا لى  الذروة كما يفترض ؛ ولكن سرعان مايفلت الخيط الدرامي من يد الطباخ ؛  ونتوه كمشاهدين بعد مرور شوية حلقات ؛ ونجد  انفسنا مرجومين في حدث اخر نبحث فيه عن راس القصة وعن جسدها وعن ذيلها ؛ ولانجد منها في الغالب غير الجشائب او سمبوسة  مسلوقة على عجل ؛  زيتها يلهب المعدة . 

2- النص ولا غيره هو روح وجسد وعقل ولسان اي عمل درامي .
 النص هو البوصلة والخارطة و الطريق والرؤية و  الموضوع و السفينة التي سيتجمع فيها وعليها كل طاقم العمل ؛ ممثلين ومخرجين وفنيين وممنتجين ومصورين ومنتجين وخدمات و...و...الخ.  
بمعنى اخر ؛ النص هو نطفة خلق العمل الدرامي 
وبدونه يصبح كل ما هو حوله ؛ من طاقم العمل؛ مجرد شخوص تائهين يبحثون عن البوصلة وعن الطريق.  

وعلى الرغم من اهمية النص  فان المنتجين يعتبرونه الحلقة الاضعف 
ويركنون به على كتبة  هم في الغالب طباخين بلا خيال ولا يتمتعون باي حس روائي ؛ فضلا عن افتقارهم لتقنيات الكتابة الدرامية لانهم في الاساس مجرد كتبة سلقتهم ضروف غياب كاتب النص الحقيقي في بلاد بائسة فنيا ؛  لدرجة ان  كليات الاعلام والفنون الشحيحة التي فيها ؛ لم تستطع ان ترفد الساحة بكتاب للدراما .. ولدينا حاليا من  كل مخرجاتها ؛ طوال كل السنين ؛ اقل من اربعة الى ثلاثة فقط من الذين يمكن ان نسميهم كتاب نصوص درامية او سيناريستات ؛ بينهم على سبيل المثال ؛  الكاتب والمؤلف والسيناريست "محمد صالح الحبيشي" صاحب الرصيد الاكبر من الاعمال الدرامية اليمنية  والاكثر مهارة من وجهة نظري في حياكة البناء الدرامي. وشفنا له اعمال كثيرة خالدة في الذاكرة مثل"كيني ميني؛ دكان جميلة ".والكاتب " توفيق الحرازي مؤلف مسلسل " تركة الوالد " كواحد اخر  من مخرجات كلية الاعلام. 

ولا اعرف من هي الكاتبة والمؤلفة " نور ناجي " 
ولكني سعيد بتكرار اسمها في اكثر من مسلسل وبالاخص مسلسل " العالية " الذي وقعت فيه نور هي الاخرى من بعد الحلقة العشرين في فخ الطباخ رغم ان العمل كان يسير بتصاعد درامي مشوق الى ان انتهى دور عالية بمقتلها او موتها ؛ لتصبح بقية الحلقات ذيل بلا قيمة بعد قتل راس القصة.
 
الامر ذاته تكرر هذا العام  في " دروب المرجلة" 
بدات القصة بقطع الطريق ليتحول الموضوع  في اكثر من حلقة الى صراع ممل وممطوط حول الاغنام ثم الى صراع ثالث حول المشيخة . 
وسنكون قد ظلمنا الكاتب والروائي "وجدي الاهدل" لو القينا عليه او على زميلته " يسرا عباس "  اي لوم في مطمطة احداث مسلسل "ماء الذهب" لان العمل من اساسه رغم حرفية الاخراج وحرفية الممثلين ولكنه يبدو من خلال بذخ الصورة بانه عمل قام في الاصل على فكرة الادهاش البصري اكثر من كونه يحوي قصة درامية. 

واما مسلسل " قرية الوعل " فعلى الرغم من اني انا من أجزته لقناة الجمهورية باعتباري موظفا في ادارة الدراما ؛ وعلى الرغم من اعجابي بسيناريو النص الذي كتبه المؤلف " محمد المليكي " وهو شاب جديد على هذه الصنعة ؛ وكانت لغة الحوار وانتقالاته بين المشاهد والاحداث سلسلة ؛  والقصة جديدة وتدور حول ذهاب المشيخة بعد وفاة الزوج الى زوجته كما حصل في قصة " الشيخة معجبة " لكن عنصر الزمن في النص حيث تدور الاحداث ب القرن الواحد والعشرين داخل قرية نائية لم تواكبها تطورات العصر ؛ كحيلة من المنتج او من المؤلف نفسه   من اجل اقحام مسمى "الوعل" لا اقل ولا اكثر ؛  ومن اجل اقحام الصراع على المنجم الخفي ؛فكان ذلك الاقحام في صناعة الاحداث هو الطبخة الغير موفقة في درامية المسلسل ..وكان ذلك هو رايي منذ البداية قبل ان توافق القناة على انتاجه.. وقلت من اولها ان " عنصر الزمن في قرية الوعل وعدم التأسيس الحقيقي للقرية باعتبارها مسرح الاحداث ؛ هو الباب الذي ستدخل منه الانتقادات لهذا العمل الكبير. 
 
واما مسلسل " خروج نهائي " فكان خفيفا على المشاهد لان فكرة النص المكتوب  واضحة ؛ والحلقات قائمة على شخوص معينيين يصطادون الزبون القادم اليهم في مواضيع يومية مختلفة تنتهي بانتهاء الزبون ؛ وصح انو مافيه اي صراع درامي متسلسل ومتصاعد ؛ ولكن تلك هي طبيعة سلسلات " السيتكوم " . 
واما مسلسلات " ممر آمن"و  لقمة حلال " و" العاقبة " شاهدت بعض الحلقات فقط والامر لا يسمح لي بتوجيه اي انتقاد فيما يخص نصوص الاعمال الثلاثة حتى اتمكن من مشاهدتهن لاحقا لاعرف كيف كانت طبخة النص .
 
 3- اعود الى صلب الموضوع واقول ؛ انه ؛ وعلى الرغم من ندرة كتاب نصوص وسيناريوهات الاعمال الدرامية 
فان المنتجين وصناع المحتوى الدرامي في اليمن يضعون كاتب النص في ذيل اهتماماتهم ! 
وهو عندهم العنصر الذي يمكن الاستعاضة عنه في الكتابة باي موظف في الشركة او في القناة ؛او باي شخص  يعرف ينكت او يعرف يبكي او يعرف يقرا ويكتب.ليسلق لهم بيض الموسم  ! وهو عندهم ؛ في قائمة الاجور ؛ شي هامش واقل شخص يستلم مستحقات ! 
واحيانا قد تجد ان موظف الخدمات في طاقم العمل يستلم اكثر من المؤلف!
 وقلك ليش اعمالنا الدرامية اليمنية تبدو اسكتشات طويلة في الغالب ومافيها اي قصص تعلق في الذاكرة او تستطيع كمشاهد ان تسردها لاي شخص يسالك:  حول ايش تدور القصة ؟  
ذلك لان المنتجين واصحاب القنوات وصناع المحتوى الدرامي مافيهم اديب ولا فيهم فنان؛  ولا واحد منهم يعرف حتى  كيف تجي القصة ولا كيف تكتب ! وكلهم واخذين الامر مجرد تجارة وطلبة الله ويعتقدوا ان النص شيء سهل وبسيط وعادي وانه يمكن الاستعاضة عنه باي فاتورة ماء او كهرباء لصناعة القصة  وكتابة النص الدرامي ودهفه للمشاهد في نهاية المطاف مزينا برصة من النجوم! 
ختاما:  
الدراما هي الحياة نفسها .. ولكن بعد قص الزوائد منها 
وهذا ماينبغي ان يدركه صناع المحتوى الدرامي في اليمن على اية حال.
وعيد مبارك على الجميع.