آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-12:30ص

ثقافة العبودية والتبعية في الفكر السياسي والاجتماعي العربي ..!!

الإثنين - 08 أبريل 2024 - الساعة 06:16 ص

إبراهيم ناصر الجرفي
بقلم: إبراهيم ناصر الجرفي
- ارشيف الكاتب


من يبحث في الفكر السياسي والاجتماعي العربي ، سوف يندهش من الجهود الجبارة لأنظمة الحكم العربية المتعاقبة ، لترسيخ ثقافة العبودية في أوساط أفراد المجتمعات العربية ، استجابة لطموحاتها الكبيرة للإستمرار في السلطة أطول فترة ممكنة ، وترسيخ ثقافة العبودية والتبعية كثقافة مجتمعية ليس بالأمر السهل ، بل إنه من الصعوبة بمكان ، لأنه يتنافى مع الفطرة الإنسانية ، التي تنزع نحو الإستقلالية ، وتعشق الحرية ، وترفض العبودية والذل والهوان ، وفي ذلك يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ( متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) ، فالحرية أمر أصيل وطبيعي وفطري ، والعبودية هي الأمر الطارئ والمنافي للطبيعة وللفطرة الإنسانية ، والمنافي للثقافة الإسلامية التي منحت الإنسان كل الحقوق والحريات الإنسانية ، بما فيها حرية العقيدة ، وحرية الفكر ، وحرية الرأي ، والحرية السياسية بشكل عام ، ورغم ذلك ونظراً للجهود الكبيرة جداً والمتواصلة دائماً ، بدون كللٍ أو ملل من أنظمة الحكم العربية المتعاقبة ، عبر سياسة القهر والقوة والغلبة والإذلال والطغيان ، ومن خلال إستخدامها لكل أدوات القمع والبطش والتنكيل والترويع والقتل ومصادرتها للحقوق والحريات ، أصبحت ثقافة العبودية والتبعية في المجتمعات العربية واقعاً ملموساً ..!!

وأصبحث هي الثقافة السائدة عند الكثير من أفراد المجتمعات العربية ، وأصبحت المطالبة بالحريات والحقوق الإنسانية ، أمراً مستغرباً في بعض تلك المجتمعات ، بل ومنكراً وشاذاً وخروجاً عن المألوف والعادة في بعضها الآخر ، بل إن التسابق في تقديم فروض الولاء والطاعة للقائمين على السلطة الحاكمة ، هو الأمر الرائج ، وهو ميدان السباق الحقيقي بين العديد من أفراد تلك المجتمعات ، في ظل هيمنة ثقافة العبودية والتبعية ' والتي أفرزت مجتمعات تصنع الطغاة والفراعنة وتمجدهم وتعظمهم بل وتفدسهم ، مجتمعات كل ما تستطيع فعله هو عزف سيمفونيات النفاق والتطبيل السياسي ' مجتمعات تتلذذ بسياط الجلادين وهي تلسع جلودها وظهورها ، وللأسف الشديد فإن التشريعات الإسلامية التي تحمل في طياتها ثقافة الحرية والتحرر ، والتي تمنح الإنسان كامل حقوقه وحرياته ، والتي تؤكد على مبدأ المساواة بين الحاكم والمحكوم ، والتي تجعل من الحاكم مجرد أجير وخادم في خدمة الشعب ، والتي تجعل من السلطة مغرماً وليس مغنماً ، قد تم تفسيرها وتأويلها وتطويعها وتكييفها ، بما يتوافق مع سياسات وأهداف الأنظمة الحاكمة الاستبدادية ..!!

كما أن أنظمة الحكم العربية المتعاقبة لم تألوا جهداً ، في ترسيخ ثقافة العبودية والتبعية في أوساط المجتمعات العربية ، بكل الوسائل والسبل ، ومنها على سبيل المثال ، إستغلال الأمثال الشعبية والمجتمعية في هذا المجال ، كونها تظل قريبة إلى اللسان بسبب كثر تداولها وتكرارها ، ومع مرور الأيام تترسخ هذه الأمثال ، وتتحول إلى قواعد عامة متعارف عليها ، كجزء من التراث والثقافة والتجربة والخبرة ، الواجب إتباعها والإقتداء والعمل بها ، خصوصاً عند ذوي الثقافة المحدودة ، الذين ينظرون إليها كقواعد رئيسية لا يجوز مخالفتها ، ومن تلك الأمثلة الشائعة والمتداولة والمتعارف عليها في المجتمع اليمني في هذا المجال ، على سبيل المثال لا الحصر ، ( من تزوج أمنا كان عمنا ) ، ( في دولة القرد قول للقرد يا سيدي ) وهكذا ، وعند النظر إلى هذه الأمثال الشعبية ، فإنها في حقيقة الأمر تقوم بترسيخ وتأصيل ثقافة العبودية والتبعية في الفكر الاجتماعي والسياسي ، وتؤسس لمجتمع تابع وخاضع ، وتسلب أفراده حتى مجرد التفكير في مقارعة الظلم والظلمة والطغاة في كل زمان ومكان ، وتنزع من عقولهم وفكرهم كل طموحاتهم في الحرية والتحرر والمشاركة السياسية ، وتحرمهم حتى من المطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية ..!!

ورغم ذلك كان هناك ثقافة عربية مضادة لهذه الثقافة وهي ثقافة الحرية والتحرر ، تبناها وقادها الكثير من رواد وعشاق الحرية العرب ، الذين رفعوا أصواتهم عالياً وهم ينادون بالحرية والتحرر ورفض الظلم والطغيان ، فعلى سبيل المثال هذه الشاعرة الشعبية اليمنية غزال المقدشي تقول في إحدى قصائدها الشعرية ( سوى سوى يا عباد الله متساوية ما حد ولد حر والثاني ولد جارية ) وهذا الشاعر التونسي الشابي يقول ( وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق ) ، وهذا شاعر الثورة اليمنية الشاعر المناضل محمد محمود الزبيري يقول ( يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا ) وغيرهم كثير ، ورغم ذلك للأسف لم تظهر أنظمة حكم عربية تتبنى ثقافة الحرية والتحرر بشكل فعلي وعملي ، فالكثير منها يكتفي برفعها مجرد شعارات فقط ، وما أن يصل إلى السلطة سرعان ما ينقلب عليها ، وللأسف الشديد الملاحظ أن أنظمة الحكم التي تعتنق الأفكار والنظريات الأيديولوجية والدينية ، هي الأكثر حرصاً على ترسيخ ثقافة العبودية والتبعية بين أفراد المجتمعات الواقعة تحت سلطتها ، كونها تصبغ هذه الثقافة بصبغة دينية وإيديولوجية ، تحت مسميات مختلفة ، وهي بهكذا أساليب لا تدرك أنها تصنع مجتمعات ضعيفة وخائفة ومترددة ، مجتمعات متربصة تنتظر الفرصة للانقضاض عليها والانتقام منها ، مجتمعات فاقدة لكل ما له علاقة بالإيجابية والإبداع والإبتكار والمبادرة ، كون هذه الأمور مرتبطة ارتباط مباشر بالحرية والمشاركة والتعددية ، وهكذا مجتمعات هي مجتمعات ساكنة وجامدة وجاهلة ومتخلفة وفقيرة ، ومكانها الطبيعي هو مؤخرة الركب الحضاري للأمم ، وهذا حال الكثير من المجتمعات العربية ، في ظل هيمنة ثقافة العبودية والتبعية على فكرها الاجتماعي والسياسي ..!!