(ابو انيس) الصيد، الصيد، الصيد.. انه السمك الذي لوعنا لزمن في الماضي لاسباب التأميم.. ومازال يلوعنا لاسباب الغلاء. !!
انتقل الاستاذ محمد سعيد جرادة، شاعر اليمن الكبير من الشيخ عثمان الى كريتر، وسكن لحسن الحظ في الشارع المجاور للحافة التي اسكنها.. بيت من3ادوار صرف له هناك، في الدور الثالث مبرز مفروش قال لي انه يمارس فيه الخلوة هناك مع"العجوز"
استغربت وسألته عما يقصد، ضحك وقال انه ينفرد هناك بنفسه مع العجوز، كما اسماها، ويقصد بذلك كتابة برنامج يكتبه لاذاعة عدن بعنوان:"الثقافة عبر العصور" وهو كذلك عنوان كتاب صدر له بعد ذلك.
وقتها صرفت له سيارة تويوتا كورونا من المنطقة الحرة بالميناء التي كان للتاجر الرمادة محل هناك يجلب الية السيارات المجددة.. وقد اسعدني بتكليفي بسياقتها وتعليمه السواقه بها.. كانت منطقة خورمكسر بين الساحل والعمران فراغ شاسع جميل نستخدمه لتعليم السواقة.. وكنت انا قد تعلمت السواقة فيه.. وامضيت اياماً اعلم الاستاذ.. اعياه التعلم.. ضحك وقال:باين يستحيل اجيد السواقة مثل اجادتي للكتابة.. مستحيل.. فقط لو يكون الطريق امامي لاحباً..لاجدت السياقة.. لاحب، تعلمت منه المعنى.. وتعني الطريق الفارغ الممتد بلا عوائق، لاناس فيه، ولا سيارات، ومرور، وتقاطعات.. فقط ادوس وانطلق.. وهو امر مستحيل.. ولم يتعلم السواقة ابداً..في الاخير صارحته بالحقيقة، قلت له : ربما لو استعنا بمدرسة تعليم السياقة مع اخراج رخصة كما تعلن بعض الشركات نظير75ديناراً لتمكنت من السياقة، وهل استطيع؟ سألني، فأجبته صادقاً :اشك في ذلك.. ولوحدثت المعجزة فلك عندي انا75ديناراً مكافأة نجاح. !! وفعلاً لم يحدث.. لكن السيارة بقيت معي للسياقة.. التقي الاستاذ صباح كل يوم.. ينزل من البيت، يشتري التمبل اليومي وباكت السيجارة التي كان يدخنها بمبسم فلتر لا يفارقه... وننطلق.. في الضحى تنتهي جولاتنا في التواهي.. ندخل سايلورس كلوب.. ونمضي سويعات الى ان نشعر بالجوع ثم ننطلق بحثاً عن اسماك وجبة الغداء المفضلة.. زوجة الجرادة خير من يطبخ المطفاية وخبز. الطاوة وتحضير المقبلات واولها البرتة العدنية(الصور).
نطوف باسواق عدن ايام انعدام الاسماك وسيطرة السوفييت على بحارنا.. ولانجدفيها غير البطابط والجدب والعيدة احياناً..وغير غير لائقة للاستهلاك الآدمي.. قال الصديق محمد عبداللاهي، وكان ترجمانا على سفينة اصطياد سوفييتية:ان الروس يأخذون الاسماك الجيدة وغيرها من الاحياء البحرية الطيبة ويجمعون لنا البطابط والجدب.. وقال انه قال لهم ان صيادي بلادنا لا يصطادون هذه الانواع الزفتة ويرمونها للبحر.. فقالوا له:ان لا قيمة دولارية لها ولا تصلح لغير البيع في اسواق الداخل !!
نمر الجرادة وانا اولاً بسوق التواهي، بطابط وجدب.. ثم المعلا، ايضاً بطابط وجدب، وبعد ذلك سوق كريتر (الصورة) وايضاً بطابط وجدب.. وحتى العيدة تختفي.. يبقى العلاج الاخير، الكي.. نذهب الى الصيادين في صيرة(الصور) وشيخهم ابو انيس المشهور بانه يضربها وهي تطير.. احيانا كنا نتهور وننزل بحر صيرة للسباحة لحين جلب مانحتاج من سمك من ابي انيس.. وذات مرة، كان البحر شحيحاً..قال ابوانيس:اخر امل في الشبك.. ونزل اليه ووجد سمكة واحدة وحيدة توحد الله، اخرجها وخرج رافعاً يده بها.. قلت للاستاذ انها من نصيبك.. اما انا فسأنتقل اليوم الى الدقة. !!
وفعلاً رجع كل منا الى بيته.. وبعد ساعة فوجئت بالاستاذ يناديني ويشتم من الممر المجاور للعمارة تحت النافذة.. الزغطوط قدام الله والناس.. ينادي ويشتم.. ويرفع يده بالسمكة اليتيمة ويردد:خايس.. صيد خايس الله يلعن مشاويرك.. خايس !!
كانت كسفة.. كان الزمن صعب.. حدث هذا قبل تدفق الدجاج الى الاسواق.. كل الاسواق كانت خالية.. لاشيء غير البطابط والجدب.. والا دقة مجمدة ولحوم لاتأكلها الكلاب.. وقتها صممنا انا والزميل الفنان Adnan Jumman اشهر كاريكاتير.. رسم مفرش السمك وبداخله البطابط والجدب.. وتحتها تعليق يقول: الناس شركاء في ثلاث، الماء والنار والجدب