آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-05:12م

(سيجارة) في معسكر ردفان

الثلاثاء - 26 مارس 2024 - الساعة 01:12 ص

سعيد عولقي
بقلم: سعيد عولقي
- ارشيف الكاتب


(سيجارة) في معسكر ردفان حيث تم اعتقالنا خلال وبعد الايام السبعة المجيدة رجعت لعادة التدخين البغيضة التي مازالت ملازمة لي لتقصر عمري.. كانت السجاير هي العملة الوحيدة المتداولة في المعتقل، ويرجع الفضل في ذلك للزميل نجيب عون ،الولد الشقي في المعتقل، وقبله، وبعده، هناك رجعت للتدخين وعلمني عون لعب البطة"الكوتشينة"التي كنت لااطيقها ولااعرف كيف العبها.. وتلك كانت من منافع السجن او الاعتقال. !!
ارغمت علئ التدخين بسبب البطة لان الفلوس كانت معدومة داخل بعدما تعرضت فلوس المعتقل محمود شودري، مدير سجن عدن المركزي السابق للسرقة .. والذي كان قد تعرض قبيل الاستقلال لمحاولة اغتيال صدها عن وجهه بكف يده الذي اخترقته الرصاصات ونقل للعلاج في لندن حيث رممت يده، ونال بفضل تلك المحاولة والاصابة معاش صحي مجزي فوق معاشه الخدمي.. لكن الاغتيال الثاني نجح معه بعد سنوات عندما قام صديقه الرباطي باغتياله فجراً بدهسه عدة مرات بالسيارة قدام بيته الجديد امام سوق بلدية كريتر عند الفجر، في وسط كريتر... اقول، انعدمت لدينا الفلوس داخل المعتقل بعد ابلاغ الشودري لادارة المعتقل عن سطو فلوس ارسلت له من زوجته بواسطة احد الحرس.. وقبل الافراج عن ادخال الفلوس لنا كنا بفضل ارشادات المبتكر الشقي نجيب عون نلعب البطة بحبات السيجارة بدلاً عن الفلوس، نلعب قمار يعني مع انه كان حرام.. لكن هل يكون الاعتقال حلال لنحرم على انفسنا القمار وزب الحمار؟؟
عندما رجع السماح للفلوس بالدخول الينا في معتقل ردفان حق الايام السبع المجيدة ارسلت زوجة الشودري له 9 شلنات و4 عانات مما اثار تعجبه واستغرابه.. ناداني وقال لي:سابوح لك بكلام سر بيني وبينك، بس لا تقولش لاحد.. الله يرحمه الشودري كان راجل جدادي جداً كما نقول.. قال:تقول ليش الحرمة ترسل لي ذا المبلغ بالذات مع انه فلوسنا والحمدلله كثيرة.. ليش تسعة شلن واربع عانات؟؟ طبعاً قلت له والله مالي علم.. فقال مخمناً:شوف.. باتكون تشتي تبعث لي رسالة مشفرة تقصد بها حاجة.. زي ايش مثلاً؟سألته انا.. فقال مجيباً مواصلاً التخمين : من كل بد الحرمة تشتي تقول انه بايخرجونحنا من الحبس بعد 9 ايام و4 ساعات. !! انا طبعاً استغربت جداً لخياله المعتقلاتي الواسع وضحكت لكنه واصل تخميناته وقال : هذا.. ويااما بعد 9 اسابيع و4 ايام.. ضحكت ايضاً لكنه واصل وكأنه يعاند نفسه او يطمئنها وقال: ويااما ياصاحبي الله لاقال وقدر بعد 9 شهور و4 ايام لا سمح الله.. فجاريته وقلت:ويااما بعد 9 سنين و4 شهور. !! فعبس وجهه وتولى في حزن وقال : ياشيخ حرام عليك تفاول علينا.. مستحيل،، مستحيل.. عسى الله ايش سوينا؟؟ قلت في يأس عابث:ياعم محمود معادفيش مستحيلات واحنا نشوف المستحيل يحصل قدامنا.. هل كان يخطر على بالك بأن الناس يمكن ان يتظاهروا مطالبين بأن تخفض رواتبهم؟؟ شفناهم والا ماشفناهمش؟؟
هز رأسه بأسى.. ثم طيبت خاطره ورجعنا للانكباب على لعب البطه.. وايضاً بحبات السجاير لان بعضنا لم يكن لديه نقوداً.. نجيب عون وعبدالله حامد عولقي، اشهر طابع عرضحالات قضائية في عدن وشعلة نشاط داخل المعتقل.. كان يصحو منذ الفجر ويطوف حولنا مرددا وهو يدق بالمعلقة على قارورة، وبالانجليزية:رايز اند شاين.. كم اون.. تي تايم.. تي تايم. وكان اجمل اوقات صحبتنا عندما ترسل له زوجته التي يسميها الليدي شاكلتون، على اسم وزير المستعمرات البريطاني، مائدة طعام مليئة بما لذ وطاب من المأكولات.. رايز اند شاين.. ولا تنسى الليدي شاكلتون مع الاكل ان ترسل عشار الليم واحياناً العمبا، وفي اوقات الصلاة يؤومنا العاقل محفوظ جبل، صاحب دكان السجارة في جولة الفل.. نصلي، بعضنا كان يصلي ليس من شدة ايمانه، ولكن نكاية بالنظام الملحد الذي حبسنا. !!
مااكثر من شرفوا معسكر الاعتقال"ردفان"في تلك الايام السبع اللعينة، من كثرتهم كان البلوك الذي وضعنا فيه وحده من بين عدة بلوكات مليء بالمعتقلين، فوق شلتنا كان هناك ممن اذكر عمي محمود مرشد افندي، وجاره المكاوي، وحسين سالم باصديق، وكيل الزراعة، ثم الثقافة، وعلوي السقاف، وعلي زين القاضي الذي قبض عليه واقتيد من فوق منصة القضاء.. والاديب والتربوي كمال حيدر، والاستاذ عثمان كبير ياوران قحطان الشعبي المصاب بالسكري والذي اشتكى من سرقة العسكر لطعامه المخصوص، وطالبنا بالاضراب احتجاجاً علئ ذلك التصرف الهمجي حسب وصفه... وكثيرون غير هؤلاء سقطت اسمائهم من ذاكرتي.. ها.. تذكرت.. ومعهم عبدالقادر المنيباري صهر الزميل محمود اربد.. وكمان عوض باجناح.. وغيره وغيره.. اتفحص في الوجوه وكانني ارى عدن كلها داخل المعتقل، لذلك لم اهتم كثيراً لموعد اطلاق سراحها.. فلماذا.. والبلاد كلها عندنا هنا