آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-02:54ص

فلسطين ضحية ثقافة التفاهة

الإثنين - 18 مارس 2024 - الساعة 02:34 ص

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص
- ارشيف الكاتب


قد نتفق على تشابه اهتمام الأروقة الحكومية والإعلامية العربية بحلول شهر رمضان من كونه عادة درجوا على الأخذ بها.

لكن ما لا يمكن الاختلاف حوله هنا هو أن شهر رمضان قد ظل زمنا طويلا يستغل كواحة مواتية لتكريس ثقافة وقيم التفاهة من مسلسلات فارغة المحتوى مشوهة وإعلام مهادن ضعيف يرفل خلف مزيد من استلاب روح الاكتمال ،والتيقظ ، ومصادرة وقمع كل تفكير جاد متجاوب ومدرك لكل ما يدور حوله.

إعلام رمضاني تغلب عليه الفكاهة الهزيلة العبثية ومحاولة اختلاق الأحداث والأفعال بعيدة الصلة بالواقع والحياة، حريصة على جعل كل ما فيها وما يراد منها إثارة الضحك والسير في طريق معاكس لفهم الحياة والعمل من أجل ازدهارها وتجاوز صعوباتها والخروج من عثراتها المتكررة.

إعلام عربي بشقيه الرسمي وغير الرسمي، ونقصد بغير الرسمي هنا هو ذلك الاعلام الأكثر رسمية والأكثر اشتغالا على مخاطبة وملاينة هوى وتوجه الإعلام الحكومي الرسمي اللذين يقفان كتفا إلى كتف لترسيخ قيم ومبادئ التفاهة وغرسها في وجدان الشارع العربي لكي يبقى حبيس الخذلان وعدم الرغبة في البحث عن مخارج لمشكلاته ومعضلاته الآخذة في التفاقم والتوسع والانتشار.

عمل إعلامي عربي تفاهي استطاع أن يرسخ خطواته داخل المجتمعات العربية الإسلامية أزمنة عديدة، لم يعرف خلالها الشارع العربي استقرارا سياسيا أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو فكريا ومعرفياً.

كما أخذ يعمل هذا الإعلام على خلخلة الروابط القائمة على وحدة اللغة والدين والتاريخ، وراح يحولها بعمله القائم على التفاهة وإعادة إنتاجها إلى الحد الذي لم يعد يهتم العربي المسلم بألم ومعاناة العربي المسلم الآخر القريب منه والبعيد.

هذا العمل التفاهي الذي تحول بمباركة انهزام الأنظمة وتمسكها بالسلطة على حساب التضحية بكل ما له صلة بالإنسان والحرية والديمقراطية والتقدم والاستقرار ها هو يجني حصاده التفاهي في أبشع صورة بما يجري اليوم وتحديدا في شهر رمضان الكريم في غزة من قتل متعمد وبشع للمسنين والأطفال والنساء وتجويعهم، والذي جوبه بمشاعر التطبيع التفاهي الذي راح يضرب بجذوره عميقا في ضمير ومشاعر الإنسان العربي المسلم الذي بات. حبيس تلك الثقافة التافهة التي لا تأبه بمشاعر الغيرة والانتصار للحق ومقاومة الباطل.

ليصبح اليوم الشارع العربي مواطنا وحكومات غارقاً في فسيفساء التفاهة التي لم تترك جانبا من جوانب الحياة إلا وسكنته وأخذت تنخر فيه، محاصرة كل القيم الإنسانية والأخلاقية والأدبية، وإبهات مشاعر الانتماء والتمسك بها.


وإذا كانت مسيرة تطبيع المشاعر العربية مع هذه التفاهة الفسيفسائية قد أحاقت بالمجتمع العربي الإسلامي الفلسطيني، فإنه لابد أن هذا التطبيع قادم ليشمل بقية الأنظمة العربية حكومات وشعوبا ، إلا إذا انتبهت لحرب التفاهة هذه وأصبحت قادرة على مواجهتها والحد من سلطتها وسطوتها عليه.