آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-10:29م

(خان) كان الفقر حاضراً في عدن وبقوة

الأربعاء - 14 فبراير 2024 - الساعة 11:22 م

سعيد عولقي
بقلم: سعيد عولقي
- ارشيف الكاتب


(خان) كان الفقر حاضراً في عدن وبقوة.. روايات تحكى وشواهد لحقت الامساك بكثير منها.. وضع احمد يوسف خان الحجر الاخير في بنايته الكبرى في كريتر.. بيت يوسف خان سنة1933م في قلب كريتر، كتب الاسم والتاريخ في نقش على الحجر للبيت الذي يكاد يبلغ حجم سكة كاملة !! بفضل صديق عمري حامد جامع تعارفنا، انا وابن يوسف خان عبداللطيف في مقهئ سيف المقابل لهم واسمه مطعم الجمهور.. كان ذلك في بداية الالفية الثالثة هذه.. فول الجرة يرسل عبداللطيف صبي سيف ليجلب له نصف مكان. !! فقط نصف مكان لكي لايثقل على معدته.. والخبز نصف قرص ايضاً من عند سيف.. افضل خبز طاوة، وهيا اتفضلوا ياجماعة يعزمنا.. ولايقدر حتى اكمال النصفين.. احياناً يأخذ الباقي معه للبيت اذا لن يشاركه احد. !!
    كنا نتبع الهند وقت بناء يوسف خان لبيته.. جوهرة التاج البريطاني.. لكن الفقر كان ثقيلاً على عدن، وكأن الهنود جاءوا به معهم ليشاركهم الحياة عندنا.. قهوجي جلب غرابان ليذكر بهما حنينه للوطن.. وربط اسده على باب متجره الرئيسي في التواهي كعلامة على القوة والبأس.. في تصميم بيوت الفقر في عدن يجعلون المطبخ مهيأ للطبخ بالمصعد والخشب(الصورة) ماكان الغاز ولا بوتاغاز معروفاً..وغسيهيثم. ملابس يتم يدوياً..وتنظيف الاواني بالتراب قبل دخول مسحوق الصابون.. في الشوارع يدور اصحاب المهن وينادي كل واحد علئ حرفته، محبل قعايد، ومنجد الفرش، ومنضد فرشان الليف ومخداته.. نعم غير مريح ولكنه كان موجوداً ورخيص الثمن.. الورادون يوصلون الماء للبيوت قبل دخول المواسير.. وخدمات الكهرباء بدأت بالدخول جزئياً الى بعض البيوت.. والجمالة يدورون على البيوت لبيع حطب الطبخ وفحم البواري.. اغلب حبال القعايد محلية الصنع من سعف النخيل... وكانت مرتعاً لبق الكتن الذي يهوى امتصاص دم النائمين. !! في كل مكان وكل بيت ربما كان الكتن حاضراً..في النهار كان الاهالي يخرجون قعايد الحبال وتضحيتها تحت اشعة الشمس لعلها تقتل البق.. لكن ذلك الكتن العنيد لا يموت.. ولم تكن مبيدات الحشرات ميسرة، فيلجأ الاهالي الئ غلي المياة لتفور الى اقصى مدى، ويخرجون لصبها على قعايد الحبال علها تقتل حشرة الكتن، اما تلك التي تحتل فرشان القطن والليف، بالذات الليف المأخوذ من نخل النارجيل، فيتم التعامل معها بالخيزران. !!
  في سنة 1927م دخلت الكهرباء..( الصورة) وتدريجيا وصلت الئ اغلب البيوت.. اما الطبخ فقد استمر بالحطب، وبقي البق يرتع في كل القعايد وفرشانها زمناً طويلاً..وابن يوسف خان يعشق فول الجرة وخبز سيف، ويقسمه على وجبتين، ينصحه حامد جامع بالبصل الاخضر مع الفول فهو متوفر ورخيص.. لكن الخان يقول : ان تنظيفه سيستهلك الكثير من المياه  !! ويضحك ابن جامع واضحك معه. !! باع اولاد يوسف خان اغلب بيوت ودكاكين املاكهم بما فيها مطعم الجمهور الذي نجلس فيه عند سيف واولاده وفناجين الشاي والخبز البر الاحمر الجيد الطبخ على الطاوة بيد هيثم. 
     تحولت عدن الى مستعمرة تابعة مباشرة للتاج البريطاني، وانفصلت عن التبعية للهند في آخر الاربعينيات.. وحلت الشلنجات بدلاً عن روبيات الهند.. لكن قعايد الحبال وفرشان الليف وبق الكتن واصلت مصاحبتنا لبعض الوقت