آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36م

الجنوب وغياب الشعور بالمسؤولية

السبت - 03 فبراير 2024 - الساعة 05:38 م

احمد عقيل باراس
بقلم: احمد عقيل باراس
- ارشيف الكاتب


التدمير الممنهج الذي يتعرض له الجنوب بحجج واشكال متعددة ان لم يتم ايقافه والعمل على وضع معالجات حقيقية له فان النتائج ستكون كارثية علينا جميعاً سوى في الانتقالي او في الحكومة اذ وصل مستوى الاذلال الذي نتعرض له كشعب درجات قياسية وحد لا يطاق فساد مستشري في معظم مرافق ووزارة الدولة، مواطنون بلا خدمات كهرباء منعدمة ومدن تعيش في ظلام دامس، مرتبات مقطوعة وعملة في تدهور مستمر، تطبيب لا يستطيع ان يحصل عليه حتى جزء بسيط من الناس فيما يقف من يتولون امرنا اليوم متفرجين على انهياراتنا التي تزداد يوماً بعد يوم بدون ان يحركوا ساكناً وكان الأمر لا يعنيهم ليجسدوا في ابهى صورة عدم الشعور بالمسؤولية تجاه من يحكمونهم أو يتولون امرهم ، فجميعهم لا يشعرون بالمسؤولية مجلس قيادة وحكومة وانتقالي وسلطات محلية ولأول مرة يحدث في تاريخ اليمن شمالاً وجنوباً طوال تاريخهما الحديث والمعاصر ان تخلت أي من القيادات التي تولت السلطة آنذاك عن مسؤولياتها تجاه من يحكمونهم.
فهذه الجبهة القومية بالأمس وبرغم صغر سن قادتها وعدم خبرتهم عندما تولت السلطة في الجنوب فان شعورهم واحساسهم بالمسؤولية التي احسو بها تجاه شعبهم جعلهم يديرون دولة في ظل غياب الموارد حينها وهذا الرئيس الراحل صالح عندما دخل عدن على ظهر دباباته وكان في نظر الكثيرين عندها محتلاً في العام 1994م لم يتخلى عن مسؤولياته تجاه الناس ولم يتركهم فريسة للفوضى وللعصابات اذ سرعان ما تم تطبيع الاوضاع فيها وفي كثير من مدن الجنوب حتى استعادت عدن عافيتها وان لم يكن بصورة نموذجية لكنها في المجمل استعادت عافيتها ولم تشعر عدن والجنوب بالفراغ أبداً بعد هزيمة واضحة تلقوها حيث لم تتوقف حينها مرتبات أي من الموظفين بمن فيهم أولئك الذين واجهوا قواته وشاركوا في الحرب ضده كما لم يحدث ان انطفئت الكهرباء أو انقطعت المياه عن عدن أو اغلقت المستشفيات ابوابها.
كما لم نراه يبتدع وهو المحتل في نظرنا نقاط للجبايات على مداخل المدن وعلى الطرقات ولم يحدث ان فرض في المدن التي فتحها اي ضرائب أو جبايات جديدة على الناس وعلى الانشطة التجارية ولم يعمل مطلقاً على تأجير الارصفة والشوارع ولم يبالغ في تحصيل أي رسوم سابقة كانت موجودة، وقبله لم يتخلى حتى قادة الانقلابات التي حدثت هنا وهناك عن مسؤولياتهم فقد كان الشعور بالمسؤولية هو السائد لديهم جميعاً فقاموا بأمور شعوبهم التي اعتبروا ان وجودهم لم يأتي إلا من اجلهم.
وبالنظر لكل ما حصل في السابق نجد ان ما دفع قادة الجبهة القومية في الماضي وفيما بعد صالح وقادة الانقلابات التي حصلت في الشمال والجنوب لان يأخذوا زمام الأمور ويمضون للأمام ويهتمون بالناس هو شعورهم بالمسؤولية وان بدرجات متفاوتة تجاه شعبهم أو تجاه من يحكمونهم ويعتبرون أنفسهم مسؤولين عنهم فقد كانوا ولو نظرياً أو حتى شعورياً يستمدون شرعيتهم من هؤلاء الناس الذين حكموهم بينما اليوم يغيب هذا الشعور تماماً عند كثير ممن يحكموننا وحتى نكون منصفين فأن هذا الشعور بالمسؤولية لم يكن مقطوعاً البتة لدينا في وقتنا الراهن فهناك من قادتنا من كان يشعر بمسؤوليته تجاه شعبه ولم يتردد مطلقاً في أخذ موقف متقدم عندما دعت الضرورة لذلك.
وبصورة اوضح كلنا أو معظمنا عاصر اوضاع وظروف العام 2019م بعدن اكانت اقتصادية أو صحية أو عسكرية حيث نتذكر عندما عصفت الأحداث بعدن حينها وكانت على حافة الانهيار ما بين عدو متربص في شقرة يتحين الفرصة للانقضاض عليك وكوارث طبيعية من امطار وسيول شلت الحركة في المدينة وما بين وباء كورونا الذي فتك بالجميع وأصبح خطره يتهدد حياة الناس فيها في ظل انهيار وغياب تام للخدمات الصحية وللسلطات المحلية والحكومية اللتين تخلتا عن مسؤولياتهما ولم يكن يتبقى لنا حينها في عدن غير تشييع المدينة وسقوطها رسمياً وعند الوصول لهذه النقطة ظهر من وسط تلك الأحداث والوقائع رجل ابى أن يقف متفرج على انهيار مدينته التي احبها ويعمل من اجلها فتصدر المشهد واعلن الادارة الذاتية للجنوب أنه اللواء احمد سعيد بن بريك القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي رئيس الجمعية الوطنية حينها في الاجتماع التاريخي الذي عقدته آنذاك هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ليتراس بعدها شخصياً الادارة الذاتية للجنوب وليقوم بأمر الناس ويتغلب على كثير من المشكلات في زمن قياسي بمساعدة من قيادات الانتقالي المدنية والعسكرية وبالتفاف الناس حول هذه الادارة الوليدة التي شعروا انها تمثلهم وتحرص عليهم.
لقد مثل قرار الادارة الذاتية لحظة فارقة في تاريخ الجنوب بل وعدت خطوة متقدمة لم تضاهيها أو تصل في مستواها أي خطوة غيرها منذ تأسيس الانتقالي وحتى يومنا الحاضر حيث كان اساسها ومحركها هو الشعور بالمسؤولية التي تحلى بها اللواء بن بريك الذي ترأس الادارة الذاتية حينها وكان موفقاً فيها وما ساعد على النجاح ان أتى القرار أولاً واخيراً نابعاً من رغبة جنوبية خالصة ولم يأخذ في الحسبان اي مصلحة غير مصلحة الجنوب لذا لا عجب ان رأينا التفاف الجميع حول هذا القرار ومواجهة كافة التحديات والتغلب عليها اكان في المجال العسكري أو المدني أو الخدمي أو الاقتصادي ولتشهد عدن بعدها تحولاً كبيراً وانفراجاً واسعاً للازمة والمعاناة التي عاشتها وكادت ان تعصف بها ليتم تغيير المعادلة تماماً واحتواء الامور والسيطرة على الاوضاع وليعيش الجميع فترة من الزمن ولأول مرة بنعمة القرار الجنوبي الخالص فقد اصبحنا على ارضنا اسياد بالفعل لا بالشعارات ولو قدر لهذا القرار ان يستمر لفترة أطول لتغيرت كثير من الأمور لصالح شعب الجنوب.
اننا اليوم ونحن نسترجع شريط الذكريات لتلك المرحلة نشعر بالم حين نرى الاوضاع الحالية في عدن والجنوب لا تقل سوءاً عن اوضاع العام 2019م ان لم تفوقها والتي في مجملها دفعت باللواء بن بريك حينها للاستشعار بالمسؤولية والقيام بتلك الخطوة المتقدمة بينما لا نرى اليوم أي من قياداتنا من يأخذ بزمام الأمور ويتخذ خطوة اخرى متقدمة ويعمل على إيقاف هذا النزيف وهذا السقوط الذي يراد لشعب الجنوب ان ينزلق إليه فاستمرار المعاناة في ظل انسداد أي افق للحلول التي من شأنها ان ترتقي بالمستوى المعيشي للناس سيؤدي بهم لان ينفضوا من حولنا أو يفقدوا ثقتهم بقيادتهم وهو ما يشكل الخطر الحقيقي الأكبر على قضيتنا وعلى تطلعاتنا وسيحقق به اعداء الجنوب مالم يستطيعوا تحقيقه بالقوة لذلك كم نتطلع لنرى اليوم في قياداتنا بعضاً من الشعور بالمسؤولية التي رأيناها في البداية عند قادة الجبهة القومية وفيما بعد عند صالح وقادة الانقلابات واخيراً عند اللواء بن بريك.