آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-10:58ص

هل تغرق أمريكا في مستنقع اليمن؟

الخميس - 25 يناير 2024 - الساعة 01:46 م

احمد عقيل باراس
بقلم: احمد عقيل باراس
- ارشيف الكاتب


لا يبدو ان الأمور ستتوقف عند الضربات الجوية التي تشنها أمريكا ضد اهداف ومواقع محتملة للحوثيين في صنعاء وفي غيرها من المناطق اليمنية تعتبرها امريكا مسؤولة عن شن عمليات عسكرية تهدد خطوط الملاحة الدولية وتهدد سفنها الحربية في البحرين الاحمر والعربي وباب المندب فمثل هذه الضربات مهما كان عنفها أو تركيزها أو دقتها لا يمكن لها باي حال من الاحوال ان تعمل على تحييد قوة الحوثيين أو تردعهم عن الاستمرار فيما هم عازمين على تحقيقه من وراء شنهم لكل هذه العمليات العسكرية التي تستهدف في مجملها عرقلة خطوط الملاحة الدولية لذا لن يصبح أمام القوات الأمريكية في نهاية المطاف إذا ما ارادت تامين هذه الخطوط الملاحية الدولية إلا التدخل العسكري المباشر والنزول على الأرض للوصول إلى هذه المواقع التي تنطلق منها تلك المسيرات والصواريخ للحوثيين وتحطيمها وهو الشي الذي نعتقد ان الحوثيين يسعون إلى تحقيقه ويهدفون إليه من وراء انشطتهم العدائية تلك لاستدراج الولايات المتحدة الامريكية وتوريطها بعمل عسكري شامل في اليمن.

وبعيداً عن التأويلات ونظريات المؤامرة فإننا نعتقد ان قرار الحوثيين تهديدهم لخطوط الملاحة الدولية البحرية التي تمر باليمن لم يكن قراراً يمنياً خالصاً ولا حتى قراراً يمنياً ايرانياً خالصين كما يعتقد البعض وانما نعتقد اعتقاد اقرب إلى اليقين ان القرار بالحرب يتجاوز اليمن وايران الى ما هو أبعد من ذلك بكثير فمعظم المعطيات تؤكد ان القرار أو هذا التوجه تم اما بمشاركة مباشرة أو غير مباشرة من قوى دولية واقليمية مناوئة للسياسة الأمريكية ولمشروعها في المنطقة والعالم أو بالتماهي معها (أي مع هذه القوى المناوئة لأمريكا) ويدخل ضمن اطار الصراع العالمي بين الدول الكبرى وهذا ما يجعل الامور تصبح اكثر تعقيداً وتنذر بما هو اسواء فالزج باليمن في اتون صراع وحروب ذات طابع دولي كما يسعى الحوثيين جاهدين بطريقة أو بأخرى لان يستدرجوا أمريكا إليها سيكون له نتائج كارثية على الجميع بما فيها أمريكا نفسها الى جانب اليمن ولن ينجو منه لا الشمال ولا الجنوب بل سيكون تأثيره من حيث السوء بنفس القدر على الجانبين وان بدرجات مختلفة فقد وصلت الامور اليوم عند نقطة إلا عودة فلا أمريكا تستطيع ترك الحوثيين وشانهم وتغادر هذه الممرات البحرية ولا الحوثيين يستطيعون وقف هجماتهم قبل أن توقف اسرائيل عدوانها على غزة ويبقى مسألة اندلاع حرب شاملة ودخول أمريكا المستنقع اليمني مسألة وقت لا أكثر.

لقد بتنا جميعاً اليوم أكثر وعياً وادراكاً من أي وقت مضى لما يجري حولنا من احداث لذا لا يمكن النظر لما يجري عندنا الان من قرع لطبول الحرب ومن تحشيد في البحر الاحمر وباب المندب بمعزل عما جرئ ويجري في العالم من حولنا من حروب وصراعات في اطار التنافس الدولي بين القوى الكبرى سواء تلك الصراعات التي حدثت في الماضي أو في الوقت الحاضر فمثلما ورطت أمريكا مؤخراً روسيا في اوكرانيا وقبلها ورط السوفيت أمريكا في فيتنام وورط الامريكان الروس في افغانستان فلا نستبعد ان تكون اليمن اليوم مسرح لسلسلة تصفية الحسابات تلك بين هذه القوى وتكون بمثابة فخ لتوريط امريكا في المستنقع اليمني الذي تدفع إليه امريكا دفعاً ونرى ان لا مناص لأمريكا من الدخول إليه كرهاً أو طوعاً وحتى اذا كان التدخل العسكري الامريكي المباشر في اليمن يبدو على الأقل حالياً مؤجل لضعف ولعدم قدرة حلفائها السابقين من القوى اليمنية التقليدية القديمة وبالأخص التيار الديني الاخواني الذي لا تثق الا فيه ولا ترغب واشنطن بتغييره برغم وجود البديل القوي من القوى الاخرى التي ظهرت بعد حرب 2015م والتي اصبح لها اليد الطولى حالياً في الجنوب وفي المخاء فأن هذا لا يعني زوال شبح الحرب الشاملة والتدخل الامريكي المباشر في اليمن بل بالعكس تماماً فيوماً بعد يوم نزداد يقيناً ان الامور ستصل عند نقطة محددة وستنفجر بعدها الاوضاع وان لم تنفجر فربما يتمكن الحوثيين من مباغتة أمريكا وكسر شرفها العسكري في البحر الاحمر او باب المندب بمساعدة قوى كبرى مناوئة لها وعندها لن يكون امام الامريكيين للحفاظ على كبريائهم غير تفجير الاوضاع عسكرياً والتخلي عن حذرهم والدخول إلى المستنقع اليمني وهو الشي الذي لا نتمناه فالحروب تنتج اسواء ما في الإنسان وتظهر اسواء ما في البلدان والحرب دائماً لا يعقبها إلا حرب ودورة الدم لا تنتهي الا بدورة دم جديدة.

أن امريكا تعلم جيدا بما يمثله الحوثيين من خطر حقيقي على خطوط الملاحة البحرية الدولية ويقلقها كثيراً امكانية تنفيذ الحوثيين لتهديداتهم باستهداف سفنها الحربية وتأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد وفي قرارة نفسها تتمنى لو ان الحوثيين يوقفون هجماتهم في البحر الأحمر وباب المندب من تلقاء أنفسهم وينهون هذا الكابوس الذي آخذ يؤرق العالم ويصيب اقتصاديات الدول المطلة عليه في مقتل كما انها تعلم بصعوبة أي عمل عسكري داخل اليمن غير ان مشكلة امريكا انها وبرغم العداء الواضح والتشدد الذي تبديه تجاه الحوثيين فإنها تشترط ان يكون البديل عنهم قواها التقليدية الاخوانية القديمة فهي لا ترغب باي قوى اخرى تأتي من خارج هذه المنظومة بل وترفض التعامل معها او حتى مجرد تقبلها باعتبار ذلك فكرة غير صائبة وتدخل في باب الموبقات حيث يأتي هذا بالنسبة لها كخيار استراتيجي لذا ونتيجة لضعف تيار الاخوان في اليمن حالياً وعدم مقدرته على المواجهة ليكون راس الحربة في أي تدخل عسكري امريكي محتمل قادم في اليمن يستهدف الحوثيين فان أمريكا وبدلا من الاعتماد على القوى الجديدة التي ظهرت تتجنب قدر المستطاع وتتأنى حتى الان في التدخل العسكري المباشر وتكتفي بالضربات الجوية لتعطي مزيداً من الوقت لحلفائها ليتقووا أو تتمكن هي من اجبار الحوثي على وقف عملياته البحرية والقبول بمشاركته للسلطة واقتسامها فيما بينه وبين حلفائها أو على أقل تقدير تجبر القوى الجديدة التي ظهرت وبالأخص المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية العمل تحت كنف الاخوان وتحت مظلتهم وهذا ما ترفضه تماماً تلك القوى ولا تقبل به إطلاقاً تحت أي ظرف من الظروف او سبب من الاسباب ما يجعل الباب مفتوحاً امام جميع الاحتمالات واهمها غرق الولايات المتحدة الامريكية في مياه البحر الاحمر ورمال الساحل الغربي وتهامة وابتلاع سهول ووديان وجبال اليمن لجنودها فاليمن سيكون بمثابة المستنقع الذي لن تجد فيه قواتها فرصة للخروج منه إذا ما فكرت أن تقوم بالمهمة لوحدها أو بالاعتماد على تلك القوى التقليدية الهزيلة فبدون الاعتماد على القوى المحلية القوية والقادرة على مواجهة الحوثيين يصبح التحدث عن اي انتصار في اليمن لأمريكا أو لغيرها مضيعة للوقت.