آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-07:48م

مخطط التقسيم والتفتيت في اليمن والمنطقة.. اللعب على المكشوف

الجمعة - 19 يناير 2024 - الساعة 10:14 م
باسم الشعبي

بقلم: باسم الشعبي
- ارشيف الكاتب




المجالس الجهوية التي تشكلها بعض القوى والاحزاب في شرق اليمن او غربه مثلا، مغفل من يعتقد ان الهدف منها الحفاظ على وحدة اليمن، وسلامة اراضيه، او انها تريد اعادة الجنوب الى باب اليمن كما يردد البعض.
الهدف الظاهر الذي يتصارع عليه اليمنيين لاستنفاد طاقاتهم وتمزيقهم اكثر، هو ذاك، باب اليمن، اليمن الاتحادي، الجنوب، لكن الهدف الخفي الذي بدا يتجلى بوضوح، هو ان هذه المجالس الجهوية سوف تلعب دور محدود في المخطط، كما هو الحال فيما يحدث على رقعة الشطرنج، لان الداعم والمتحكم باللعبة ليس غبيا لهذا الحد الذي يتصوره البعض من المخدوعين والواهمين، الذين تم دراسة نفسياتهم وتوجهاتهم جيدا.
فالمكشوف اليوم ان هذه المجالس الجهوية او القوات العسكرية والامنية، التي تدفع مرتباتها وتسليحها ومؤنها من الخارج، ما هي الا بيادق على رقعة الشطرنج يتم توظيفها في المخطط على مراحل مختلفة، يتواجد من خلالها الخارج او الدول الخارجية فيما مضى بصورة غير رسمية ومباشرة، وعندما يتم تثبيت هذا التواجد تدريجيا على الارض، سوف تتغير وظيفة وخطاب هذه المجالس حسب طلب الداعم والمخرج لمواكبة المخطط، الى ان يتم الوصول للمحطة الاخيرة، وهنا سوف يسند لهذه المجالس والاحلاف الجهوية غير الوطنية، مهمة اصدار البيانات وحشد الناس وجمع التوقيعات للمطالبة لانضمام مناطقهم ومحافظاتهم لهذه الدول الخارجية، وهذا حدث في السابق كبالونات اختبار، اما الان سوف يتكرر كواقع.
اما القوات العسكرية مثل الدروع وغيرها من التشكيلات الجهوية والمناطقية،سوف يتم قطع المرتبات عنها في مرحلة من المراحل، وسوف يتم ايقاف تموينها بالتغذية والعتاد العسكري، حتى يتم تفكيكها وحلها، والسبب ان هذه القوات هي يمنية، معظمها مكونة من ابناء تلك المناطق المستهدفة، وبالتالي قد يخشون تمردها او رفضها للاوامر، ولن يكونوا بحاجتها حينما تنتقل السيطرة من سيطرة غير مباشرة الى سيطرة مباشرة ورسمية، وسوف يتم استبدالها بقوات خارجية من تلك الدول الطامعة او بمرتزقة من دول اخرى.
طيب قد يسال البعض ما هو دور الحكومة في هذا المخطط؟ حسنا، دور الحكومة هو تدمير مؤسسات الدولة من الداخل بالفساد والفوضى ونهب المال العام،وصولا الى حالة الغلاء وتعقد الحياة المعيشية للناس، وعدم القدرة على سداد المرتبات الشهرية، وصولا الى افلاس الدولة وانهيارها الوشيك، وايصال الناس او الشعب الى درجة الاحباط والياس، الذي يدفعه للقبول باي مشروع يقدم او يفرض عليه من الخارج فيما بعد،حتى وان كان على اساس خراب البلاد وضم اجزاء منها لدول اخرى.
هكذا هم يعتقدون ويخططون، لذا فالمخطط ماشي في كل الاتجاهات، بمشاركة قوى محلية سياسية ورسمية وغيرها، ونحن كما يبدو في المحطة قبل الأخيرة، وقد بدات التحركات والاشارات الواضحة والصريحة من هذه الدول بعزمها الاكيد على تنفيذ المخطط بكل ثقة.
يقول البعض سوف نتحالف مع الحوثي وسوف ندعوه لدخول الجنوب لمنع تحقيق هذا المخطط، والرد عليهم هو ان الحوثي وغيره من القوى هنا وهناك، انما هم ادوات في هذا المخطط، وكلهم استلموا وباعوا وعليهم من الملفات ما يجعلهم يتواروا خلف الشمس، ثم ان هذه القوى المحلية هل لا تعرف ما يحدث منذ سنوات، وهل هي غبية لهذا الحد؟ طبعا لا، لان كل هذه الاطراف بيد قوى اقليمية وغيرها، وهي مضمونة الجانب لديهم، وموعودون بالفتات، حينما يتم اقتسام الكعكة بين الكبار.
مخطط من البر والبحر، اقتسام البر واحتلاله، والسيطرة على البحر، ممرات وجزر وخلجان وموانئ، والمشهد ما عاد يحتاج الى شرح اكثر مما يمكن للانسان والمتابع العادي ان يفهمه ويدركه.
السؤال: لماذا الحرب الحالية في اليمن استمرت كل هذه السنوات وقابلة للاستمرار اكثر؟ الاجابة، ان هذه الحرب ليست شانا داخليا يمكن للطرف الاقوى ان يحسمه ويسيطر على البلد مثلما حدث في حرب 94 الظالمة مثلا، التي كان في معظمها شان وصراع داخلي، وانما الحرب الحالية هي بالوكالة تخوضها الاطراف اليمنية لصالح قوى اقليمية متصارعة ومتنافسة،لذا لن يسمح لاحد الانتصار فيها والسيطرة على البلد حتى يكتمل المخطط،فضلا عن قوى دولية تسعى الى تقسيم المنطقة من جديد، واضعاف الدول والشعوب، بهدف اعادة صياغتها والسيطرة عليها من جديد وفق مخطط قديم جديد.
السؤال: هل اليمن هي المستهدفة لوحدها؟ طبعا لا، ولكن لان موقع اليمن مهم جدا من الناحية الجيوسياسية والاستراتيجية، ومن الناحية الاقتصادية بسبب الثروات الهائلة المتواجدة فيه والغير ظاهرة او مكتشفة بشكل رسمي،و باعتباره محل اطماع تاريخية للدول والامبراطوريات القديمة والحديثة على مر التاريخ،ولاسباب اخرى، فانه يقع في صدارة هذا المخطط، لكن كان اليمن بشماله وجنوبه في كل هذه المراحل التي وقع فيها فريسة لهذه الاطماع والسيطرة الخارجية، بمثابة مقبرة للغزاة على مر التاريخ وبشهادة التاريخ نفسه، وربما الحاضر ايضا.
الشي الاخر هناك دول اخرى في المنطقة استهدفت بالتقسيم، السودان مثلا، قسم الى جنوب وشمال ،وحاليا هناك مخطط لتقسيم الشمال الى اكثر من دولة من خلال الحرب الدائرة هناك بين الجيش والدعم السريع، سوريا واقعة ضمن مخطط التقسيم، العراق، ليبيا، هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الدول لتقسيمها وتمزيقها.
اذن ماذا عن السعودية؟ السعودية ليست استثناء في كل ما يحدث في المنطقة من مخطط للتقسيم والتفتيت، ولكن ربما دورها مؤجل لبعض الوقت، فهناك من يريد توظيفها والاستفادة من دورها وامكاناتها لتمزيق وتفتيت الدول المحيطة بها والمجاورة لها اولا،ثم ياتي الدور عليها بكل هدوء وسلاسة،وبتوظيف الدول والشعوب المتضررة منها والغاضبة عليها ضدها، وكل الدول العربية الاخرى كانت كبيرة او صغيرة مستهدفة ايضا.
اما ايران فهي راس الحربة في هذا المخطط الخطير لتقسيم وتفتيت المنطقة، عبر ضرب النسيج الاجتماعي والدولة الوطنية فيها، من خلال دورها المباشر او عبر اذرعها وادواتها المختلفة المنتشرة هنا وهناك، ايران تلعب دور القفاز والمحلل بالنسبة للغرب واسرائيل لتحقيق اهدافهم واطماعهم في المنطقة، والصورة واضحة لا تحتاج الى رتوش، ولا تخدعنكم الشعارات والعنتريات، فالفلم اكبر من ان يستوعب بسهولة، وحالة التناقضات التي يخلقها العدو والدوائر الاستخباراتية في المشهد، الهدف منها تغييب الحقيقة، وتتويه الناس عنها، كي يسهل انقيادهم وتصديقهم للشائعات والاكاذيب والمسرحيات والتعامل معها بكونها حقائق.
نعود لليمن، ونتسال: من يستطيع ان يفشل مخطط التقسيم والتفتيت وتدمير الشعب وتشريده؟ الاجابة: الشعب يستطيع ان يفعل ذلك، فرغم كل ما يحدث له فانه يستطيع اذا اعاد تماسكه من جديد، وايضا التيارات والقوى الوطنية، التي لم تتلوث بالمال الخارجي المدنس، تستطيع توعي الناس وتحشد طاقاتهم للحفاظ على بلدهم ومصالحهم، وحماية وجودهم على ارضهم ومستقبلهم ومستقبل الاجيال، ثم ياتي دور العامل الخارجي، لربما هناك دول قد ترى في تقسيم اليمن وتشظيه خطرا على المنطقة والعالم، لكن هذه الدول لن تتحرك الا اذا تحركت القوى الوطنية الداخلية اولا، وتحركت الناس، لرفض المخطط وادواته وداعميه قبل كل شي.
اما تصفية القضية الفلسطينية، بما يحدث في غزة وغيرها، هو فصل من فصول هذا المخطط الكبير،وكل القضايا متداخلة والادوار متشابكة ومترابطة، واللعب على المكشوف الان.

تحليل سياسي خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام