آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-07:36م

رحلة طفلة مخنوقة تبحث عن اكسجين

الجمعة - 19 يناير 2024 - الساعة 05:41 م

ماجد الطاهري
بقلم: ماجد الطاهري
- ارشيف الكاتب



 كان الوقت بحدود الساعة الثامنة مساءً حين طرقوالد الطفل باب منزلي بشدة، فتحت الباب فبادرني قائلا: طفلتي مخنوقة وتم إحالتهامن مركز كرش الصحي الى مستشفى ابن خلدون وأضاف ارجوك الحق على عجاله..

من ساعتي تحركت وانا أتساءل طفلةمخنوقة اليس الاخرى ان يتم اسعافها في سيارة اسعاف طبية مزودة بالاكسجين،وصلتالمركز الصحي ورأيت طفلة ملفوفة في خرقة تحملها جدة تجاوزت الستينومن العمروبالكاد تخطو خطواتها نحو غمارة السيارة، ثم قالت بصوت خافت ارفعوا زجاجات السيارةلا تجعلو الهواء يؤثر على الطفلة وحالا استجبنا لتوجيهات الجدة وانطلقنا مسرعيننسابق الموت غير مكترثين بعتمة الليل ولا مبالين بحفر ومطبات الطريق حتى وصلنا الىاخيرا الى مستشفى ابن خلدون التفت لأرى حال الطفلة حديثة الولادة لم يمضي علىعمرها سوى شهر كانت تتنفس بصعوبة واكتسى عيناها الصغيرتان بياض..

دخلنا الى الضابط المناوب في المستشفىوبعد مشاهدته للطفلة قال هذه الطفلة بحاجة الى حضانة وعناية مركزة اذهبوا بها حالاالى مستشفى الصداقة ولا تتأخروا عليها، وحالا ودون اي نقاش مضينا نسابق الزمن حتىوصلنا مستشفى الصداقة كانت الساعة قرابة العاشرة مساء نزلت الجدة حاملة طفلتها بينذراعيها وبجوارها ام الطفلة وابيها يحثون الخطأ نحو طوارئ المشفى قال الطبيبالمناوب للممرضين اعملوا لها جهاز اكسجين، ثم ارسل ابو الطفلة ليتأكد من قسمالحضانة ليتأكد من وجود سرير شاغر لتمديد الطفلة، عاد الاب من القسم حزينا منكسرااذا خاب رجاءه بوجود سرير ينجي طفلته من موت محقق، وفي لحظات من التوتر والقلقوالحيرة سألنا الطبيب المناوب ماذا نفعل انت تشاهد الطفلة تصارع الموت فأجاب: طيبايش بيدي انا اعمل لكم اذا كان مافيش سرير فاضي، واضاف لايوجد لديكم حل الا انتذهبوا بها الى مستشفى خاص مع تحذيره بعدم التأخير فالطفلة في حالة حرجة، حسنا هلبالإمكان ان يعيرنا المشفى دبه اكسجين بمقابل (رهن) لتتنفس بها في رحلة البحث عنالحياة؟ اجاب الدكتور: مع الأسف لا استطيع اعارتكم دبة اكسجين، لكن اذهبوا بها الىالمستشفى الالماني انه قريب يبعد مسافة كيلو من المستشفى وحالا تحركنا الى مستشفىالالماني وهناك لم نجد حضانة اطفال واحالونا لمستشفى النقيب بالمنصورة وهناك قالالطبيب المناوب يوجد سرير حضانة ولكن الطفلة بحاجة لعمل جهاز كشاف حالا والجهازموجود في المستشفى الكوبي، كان الوقت يقارب الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليلعندما وصلنا بوابة مستشفى الكوبي كان امام البوابة حارس المستشفى وبجواره عدد منالشباب بدت عليهم علامة الشفقة للبنت بعد ان قصصت لهم رحلتها المضنية للبحث عنحضانة واكسجين، وهناك اتصلوا بالدكتور المتخصص على الجهاز والذي رفض القدومالمستشفى في هذا الوقت المتأخر من الليل، وبينما كانت علامات الامتعاض والحزنبادية على اهل الطفلة وتمتمات تحوي كلمات حانقة عن وضع مستشفياتنا الحكوميةوالخاصة، هنأ تدخل احد الشباب قائلا باقي معاكم مستوصف عدن الطبي هو على طريقكمبنفس الشارع امام جامع الرحمن اذهبوا لعلكم تجدوا هناك ما تبحثون عنه، وحالاتوجهنا الى مكان المستوصف كان الوقت حينها قد تجاوز الثانية بعد منتصف الليلواخيرا وبعد رحلة البحث عن الحياة وجدنا المستوصف الذي سيزود طفلتنا بقنينة اكسجينويحتضنها في زجاجة دافئة..

بعد حوالي ساعة اشار عليا والد الطفلةبانهم سيمكثون هناك وعلي المغادرة والعودة، فـ قفلت عائدا سحرا في طريقي نحو كرشيغمرني   شعور بالسعادة انساني تعب وعثاءالسفر عندما وجدنا اخيرا منقذا لطفلة بريئة يستحق ان تعيش وتكبر وترسم الابتسامةعلى محيا ابويها، كما اعتراني في نفس الوقت شعور بالحزن الشديد لما وصل به الحال بمستشفياتناالحكومية من الاهمال والفساد واللا مبالاة بأرواح الناس، وكذا المستشفيات الخاصةمن الاستغلال والمادية والظلم في ظل عدم الرقابة من الجهات المسؤولة في الدولة.

فكرت من الاشخاص فقدوا ارواحهم وهميتنقلون بين المستشفيات بحثا عن الحياة، منهم من لم يجد سرير أو فصيلة دم، أودكتور لإجراء عملية عاجلة ثم تساءلت الى متى سيستمر هذا الحال البائس بنا ودعوتالله أن يعافينا من الامراض والاسقام وان يعيين كل مريض ويجعل له مما هو حاصل فرجاومخرجا.