آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-04:02ص

معركة الحوثيين والغرب

السبت - 13 يناير 2024 - الساعة 01:43 م

سعيد النخعي
بقلم: سعيد النخعي
- ارشيف الكاتب



معركة الحوثي مع الغرب هي إمتداد للحرب الإعلامية التي انطلقت مع ثورة الخميني في عام 79م ؛ولاتزال تدور رحاها على شاشات التلفزيون، وواجهات الصحف العالمية، ومداولات الأروقة الدولية،التي اعتاد العالم على سماع جعجعتها لكنه لم ير طحينها .
أمضى الخميني سنوات إقامته في المنفى في شقة لا تبعد كثيرًا عن قصر الإلزية،ومن هذه الشقة كانت تخرج شعارات ثورته،ومنشوراتها التي تشبه إلى حد كبير في شكلها ومضمونها ملازم حسين الحوثي، يشتم فيها الغرب وشيطانه الأكبر أمريكا، ويقبع في كنفه ويحضى بحمايته،ورعايته،وقبل اندلاع الثورة الإيرانية بليلة واحدة حملت طائرة فرنسية صحائف المنشورات التي تبشر بالثورة ضد الغرب وشيطانه الأكبر،إذ سبقت طائرة منشورات الثورة - التي طبعت في فرنسا- وصول الطائرة الفرنسية التي تحمل زعيم الثورة.
عمل الغرب منذ اللحظة الأولى على تمكين دولة ولي الفقيه، وثبت أركانها، في بلد لم يغب في أي مرحلة من مراحل التاريخ، ولم يفقد مكانته الحضارية، ففارس المملكة التي شاطرت الروم حكم البسيطة، لم تشهد تراجعًا كالذي تشهده في ظل نظام ولي الفقية المتخلف، فإمبراطورية الأكاسرة بتاريخها، وثقلها التاريخي، والحضاري لا تحتاج أن تتسلق التاريخ بأمعاء خاوية على الطريقة الحوثية .
لقد حدَّد الغرب بدقة الهدف وهيئ الظروف لصعود نظامًا ثيوقراطيًا متطرفًا بمذهب شيعي أكثر تطرفًا ليكون نقيضًا للمنظومة المذهبية لدول المنطقة التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم ،لا لشيء سوى نكئًا لجراحات التاريخ التي لا تزال مفتوحة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة؛ قبل أن تتحول مرويات الصراع السياسي بين الفرس والترك للسيطرة على الحكم طوال خمسة قرون من عمر الدولة العباسية ومابعدها إلى فروض ومسلمات لاتقل أهمية عن فروض الصلاة الخمسة عند أتباع المذهبين .
استطاعت إيران بدهاء التماهي من الرغبات الغربية على قاعدة اعطني بعضًا مما عندك أعطيك بعضًا مما عندي،والتقم العرب بغباء الطعم الغربي ليكون بمثابة شراك صيد أبدي وقعت فيه دول الخليج مجتمعة لم يقض عليها ولم وتستطع الفكاك منه فصدق عليها قول المجنون :
قطاة غرها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
فلا بالليل نالت ماتمنى ولا بالصبح كان له رواح

سعر الغرب - منذ قيام الثورة الخمينية في نهاية السبعينات- حروب في المنطقة بين إيران والعرب، تحت شعارات قومية ومذهبية حينًا،ومصالح استراتيجية حينًا آخر، كان الغرض منها تشغيل مصانع الأسلحة ،وتحريك أسواقها لإشغال دول المنطقة بصراعات بينيه، تلهيهم عن قضية الأمة المركزية وصراعها مع إسرائيل .
عملت إيران منذ قيام الثورة الخمينية على تصدير الثورة من خلال زراعة أذرعًا موالية لها في كثير من الدول المجاورة كالعراق ولبنان والبحرين واليمن والإمارات ،بالإضافة إلى تمويل كثير من الجماعات التي تعمل من تحت الأرض في الجنوب السعودي، وغيرها من الدول العربية ذات القبضة الأمنية .
ظلت إيران تحرك هذه القطع على إيقاع أنغام مفاوضاتها مع الغرب في الأروقة الدولية،ووفقًا لمخطط إدارة مصالحها الاسترتيجية، وعلى رأسها الملف النووي، مقابل توفيرها شاشات للعرض التلفزيوني؛ لنقل خطب حسن نصر التي يتوعد فيها بالقضاء على إسرائيل من ساحة رياض الصلح في بيروت،وخطب عبدالملك الحوثي في ميدان السبعين في صنعاء؛ لتوصّل من خلالهما رسائلها السياسية للعالم، في حين يكتفي العرب بالاستماع للثغة لسان حسن نصر الله ،ووعود عبدالملك الحوثي لليمنين بالقضاء على أمريكا وإسرائيل، بينما هم في انتظار وعده لهم بعودة مرتباتهم .
في ظل سباق صناعة التحالفات وشراء الولاءات استهوت اللعبة بعض حكام دول الخليج ،فاتخذوا مواقفًا كرتونية نقيضة للدعاوي الإيرانية الكاذبة، فحين زعمت إيران أنها تساند حماس، هب العرب عن بكرة أبيهم للتخلي عنها،وحين زعمت إيران أنها مع الحق الفلسطيني؛ صرخ العرب بأعلى أصواتهم بالتخلي عن القضية الفلسطينية، والذهاب إلى التطبيع مع إسرائيل نكاية بطهران، وفي هذا المفصل بالذات ضرب الغرب مسماره، في الموضع الذي التقت فيه روافد النزوات الخليجية مع المطامع الإيرانية ؛فكانت اليمن مصبًا لروافد الخصوم،فالتقطت إيران جماعة الحوثي لتعيد ضبط المصنع للجماعة على طريقة حزب الله في لبنان،والحشد الشيعي في العراق، وعملت دول الخليج باستنساخ نماذج كثيرة بعضها كالسجائر المهربة المنتهية الصلاحية، وبعضها الآخر مثل البضاعة المغشوشة التي لايعرف بلد تصنيعها،ومع ذلك يقبل عليها المستهلكون لرخص أسعارها .
بعد أن ملَّ اليمنيون من متابعة فصول الحرب الدائرة منذ عشر سنوات، دمرت الماضي والحاضر، وبعد أن أيقنت الأطراف اليمنية جميعًا بأن الحرب لم تكن خيارًا يمنيًا، فتراجع منسوبها الشعبي، وقل مؤيدوها، حتى بات مقتصرًا على بارونات الحرب وأتباعهم ،لذا قرر الغرب تحديث نظامها بإدخال منظومة الجيل الثالث؛ التي تعمل بنظام تهديد الحوثي للملاحة البحرية،فالعنوان أكثر جذبًا،والشعار أعمق تأثيرًا،فأمريكا التي ظل الحوثي يتوعدها؛أتت إليه لتؤكد مزاعمه، من خلال التعاطي الجاد مع هرطقات قطع خطوط الملاحة الدولية، تضامنًا مع غزة المكنوبة، التي تسيل دماء أطفالها منذ مايقرب من مئة يوم على عتبات معابد التطبيع، ولاتزال تسفك حتى ترضى إسرائيل بقبول التطبيع وفقًا لشروطها .
الغارات الأمريكية البريطانية كانت بمثابة جرعة مخدرة، أوصلت جماعة الحوثي إلى درجة النشوة العارمة، تسابق في غمرتها قادة الجماعة بتأكيد حربهم المفتوحة مع الغرب، على طريقة العاشق الكذاب يفرح بالتهم، بعد أن بحت حلوقهم من ترديد شعار الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل في حين توزع الموت على اليمنيين،فقطعت أمريكا وبريطانيا المسافات ،من خلف المحيطات؛ لنقل المعركة من البر اليمني إلى إلى عرض البحر في قطر نصف دائرة لايتجاوز مداها بضعة أميال بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن .
لينشغل المتابع العربي بالحرب الإعلامية بين الحوثيين والغرب عن مشاهدة مجازر الإبادة الجماعية المروعة التي تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
سعيد النخعي