آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-05:03م

غزة بعد الحرب أم هي إسرائيل بدلالة الحرب؟.

الأربعاء - 10 يناير 2024 - الساعة 09:19 ص

منصور الصبيحي
بقلم: منصور الصبيحي
- ارشيف الكاتب


ذهبت إسرائيل للعب مع حماس إلى أبعد ما يمكن وصفهُ بحرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وعادت أخيراً تلعب مع نفسها، فصيحة الفزع التي ولدت بــ7 اكتوبر عند مستوطني غلاف غزة ثم انتقلت في غضون ساعات قليلة إلى عمق تل أبيب وبقية مدنها كَبرَت وتضخّمت إلى أن طالت أخيراً بالاختلاف والتراشق الأيادي والكلامي عن وضع غزة صبيحة اليوم التالي للحرب قادة الجيش ووزارء التطرّف الديني والمذهبي من بن جفير إلى سموترش.

ولقد أخطأت حسابات القادة العسكريين فالحفاظات ذات الجَودة العالية التي طالبوا بتزويدها الطلائع المقاتلة للجيش الذي لايقهر عند الأيام الأولى للهجوم البري أثبتت فشلها ولم تعد تتسع للكميات الغير متواضعة التي يُسقطها الجنود والضباط مقابل كل ردة فعل حمساويّة ينفّذها مقاتل من على المسافة صفر، والموقف صار اكبر من خطير، ما يستدعي من وزير الطب الوقائي والصرف الصحي التدخل سريعاً وقبل خروج الوضع عن السيطرة.

فالمعطيات الواردة من الميدان تفيد: بأن دبابات ميركاڤا وعربات النمر المحصنة صار ينتشر فيها العفن والقاذورات والمساحة المتبقيّة أمام زعيم حزب الليكود نتنياهو وقبل أن يُحاصر هو الآخر ويصاب بإمساك السلطة المزمن، كجيشه الذي لا يقوى على الخروج لقضاء الحاجة بدأت للتضائل، وكما قد أفلس أخلاقياً أيضاً على وشك الإفلاس سياسياً ومهدداً بين الاغتيال والسجن والانتحار، ولكي يُفلت من العقاب ليس من خيار أمامه إلا أن يلجأ لتعطيل العمل بالدستور وإعلان حالة الطوارئ ليُزاوج بين نظام الأبرتاييد العنصري وديكتاتورية الشرق أوسطيّة يقمع حريات اليهود بالتوازي مع قتل وإبادة الفلسطينيين.

والكبينيت الوزاري المصغّر بدأ يكسر القاعدة ويسرّب معلومات عن الحرب في غزة لا تحقق أهدافها وعبثيّة بكل المقاييس، وما إصرار اليمين المتطرّف على دفع الأمور إلى مالانهاية، ما هي سوى بغرض إثبات فشل قادات الجيش على رأسهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة جراء موقفهم المناهض للإصلاحات القضائية التي اصدرها نتنياهو من أسابيع قليلة للحرب، وأراد بها محاصرة المحكمة الدستورية بغرض تكريس مآرب إيديولوجية ينقل بموجبها إسرائيل من الحالة المعقدة وإلى الحالة الأشد منها تعقيداً، ليجعلها فقط حصريّاً لشعب الله المختار، قاطعاً بذلك الطريق عل كل الحلول المطروحة التي تسعى المنظومة الدولية فرضها، محاولة منها أن تضع المنطقة على عتبة مرحلة جديدة من السلام والأمن والاستقرار.
.

ليكاد التطرّف اليميني أن يطغى على البعد السياسي للإعتدال المنتمي لأحزاب يمين الوسط واليسار، فاهتزاز عظمة الجيش حفّزته بذريعة القضاء على حماس لينحو بالحرب إلى شكل من أشكال الهيمنة الدينية يعمل من خلالها على تغييب الوعي وتفتيت الضمير الإنساني، إثباتاً للذات ومن باب استخدام القوة المفرطة، يقتل المدنيين ويحصارهم بطريقة مقززة وفجاجية ليس لها مثيل في العصر الحديث، تعيد إلى الأذهان صورة من صور الماضي يوم كان الاستعمار الغربي يعامل فيها الإنسان الأسيوي والافريقي معاملة الحيوان.


وحماس وبعدما كانت حركة جهادية في غزة وفكرة تحررية على كامل تراب فلسطيين هاهي بفعل ما تمتلكه من كاريزما لإستشراق الأحداث بمصداقية وعن قرب خالفت به كل التوقعات وأربكت جميع الحسابات، صارت ظاهرة عابرة للحدود تواصل انتشارها وتعيد توجيه المعركة إعلامياً إلى الخارج ونفسياً إلى الداخل الإسرائيلي... طفلان يلتقيان في إحدا الحارات العربية من خارج فلسطيين، وكليهما مفتون بالزعامة ويكنّي نفسه بأبا عبيدة يتبارزان ثم يصيح أحدهما في الآخر من يصترع أرضاً يسقط عنه لقب أبا عبيدة..فأبا عبيدة لا يُصرع!.

وعلى أساس ذلك وبإنسداد الأفق أمام إسرائيل لتحقيق إنجاز يُذكر من أهدافها المعلنة عداها القتل والخراب الدمار وتقبيح صورتها القبيحة أصلاً وهي بذلك كأنما تساعد حماس على كتابة تاريخها وتزيد من فرص توسّعها، ونظرًا لتعدد الخسائر ناهيك عن الضغط الخارجي والداخلي الذي يُمارس عليها، مع تلاشي الأمل في استعادة الأسرى وتحريرهم بالطريقة المعلنة، فليس أمام نتنياهو سوى النزول عن الشجرة وتنفيذ شروط المقاومة، ولاعتبارات كثيرة يخشى الإسرائيليون إستبيانها للرأي العام المحلي والخارجي، والتعاطي معها معرفياً وسياسياً مرحّل إلى وقت غير معلوم، يصبح وفقاً لهذه التراتبية البحث عن وضع غزة في اليوم التالي للحرب أبعد من ما يكون سهلاً الوصول إليه، والأقرب منه البحث عن وضع إسرائيل بدلالة 7ـ اكتوبر وما بعدها.