آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-04:43م

حملات حريصة وأخرى ظالمة على القيادة السياسية الجنوبية

الخميس - 21 ديسمبر 2023 - الساعة 11:24 م

د.عبده يحيى الدباني
بقلم: د.عبده يحيى الدباني
- ارشيف الكاتب


هذه الأيام ومنذ مدة من الزمن الاحظ حملات إعلامية موجهة إلى القيادة السياسية الجنوبية ، بعض هذه الحملات حريصة على انتصار قضية شعبنا  في الجنوب وتسديد مسارها، وأنا أحيانا أتماهى معها وأدخل فيها إلى حد ما .  وهناك حملات أخرى ظالمة ضد القيادة السياسية الجنوبية ربما تقول حقا أحيانا ولكن ذلك الحق يريد به البعض باطلا .
في حقيقة الأمر هناك تردي في الوضع في الجنوب في أكثر من مجال منها المعيشي والاقتصادي والامني والعسكري وغير ذلك في حين أن الملف السياسي يشهد تقدما ملحوظا 
واضحى على طاولة أصحاب القرار اقليميا ودوليا كما يؤكد ذلك بصدق اللواء عيدروس بن قاسم الزبيدي.
والحق أن شعبنا من النوع الذي لا يسكت عن النقد والانتقاد والمطالبة فهو شعب لا يستكين ولا يهدأ  بمثقفيه وبمناضليه وبسياسيه ونشطائه وحتى عامة الناس .
وحقيقة لقد التبس علينا الأمر وتشابكت الخيوط التي تشكل المشهد الراهن في الجنوب ، وحتى في غير الجنوب وكثر المحللون، وكثر الأعداء المتربصون والتسريبات المشبوعة إلى جانب غموض ليس في المشهد نفسه ولكن في محركات هذا المشهد اي في أسباب الوصول إلى هذا المشهد ، وهل  أسبابه داخلية ام إقليمية ام دولية؟  هناك صراع لاشك .. صراع عالمي بين الأقطاب الكبرى وليس بلادنا بعيدة عن هذا الصراع فنحن جزء منه وتتمتع بلادنا بأهمية أستراتيجية في خريطة العالم وبما تنطوي عليه ارضنا 
من ثروات طائلة وواعدة ، وهناك تنافس إقليمي  ليس بعيدا عن الصراع العالمي ، بالإضافة إلى عوامل محلية  وأطراف محلية تتصارع ولها علاقة بالاقليم وبالصراع الدولي.
فتجد هذا يحذرك من تركيا مثلا والآخر من إيران والبعض يرى أن السعودية ودول التحالف لا يريدون لنا الخير وأن أمريكا،  ليست معنا،  وخذ لك من هذه التحليلات التي تصل إلى حد التناقض؟ 
فيا ترى هل نعادي الجميع  ونتخوف من الجميع من الداخل والخارج .
كيف سنتعامل مع الاطراف المختلفة
على مستوى العالم والاقليم وعلى مستوى الداخل ؟
فالطلوب هو أن نضع أنفسنا في المكان المناسب الذي يخدم مصلحة شعبنا ومصيره  من دون أن نعادي أحدا مع أن السياسة بحر متلاطم وغريب الأطوار .
وفي هذه المعمعة المعقدة ،ما الذي قامت به  القيادة السياسية الجنوبية
في سبيل خدمة قضية شعبنا في ظل  الاستقطابات إقليميا ودوليا؟
فمن المؤكد أن لدى القيادة أجندات ولكنها لا تبدو واضحة بالنسبة لنا ، وعدو عن عدو يختلف  وقد قال المتنبي مخاطبا سيف الدولة:
وسوى الروم خلف ظهرك روم 
فعلى أي جانبيك تميل ؟ 
  هناك أعداء في الداخل وهناك أعداء في الخارج وكما قال المتنبي أيضا
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد

تضطر أحيانا أن تصادق عدوك أو تصالحه  لاجتناب شره ولو مؤقتا أو للوصول إلى توافقات معه بحكم قوته أو سلطانه أو نفوذه ولكن من غير تفريط بالتوابث والأسس الوطنية.
وفي مرة من المرات كنا في لقاء مع الرئيس عيدروس الزبيدي عقده بعدد من الأكاديميين ، فلما جاء دوري في الحديث قلت للواء الزبيدي فيما قلت :
أنت رئيس الجنوب بكل جدارة ولكن الدولة التي نسميك رئيسا لها ليست  موجودة في الواقع !  فأنت قائدنا وقائد مسيرتنا إلى الوصول إلى هذه الدولة المستقلة . 
الرؤساء الجنوبيون قبلك راسوا دولة جاهزة  مستقلة  وكان ما كان لهم وكان ما كان عليهم وكلهم وصلوا الى نهاية مؤسفة بصرف النظر عن أسباب كل ذلك التي يطول شرحها والتي لا يمكن أن يتحملوها وحدهم .
وقلت له أيضا أن شعب الجنوب بملايينه الستة أو السبعة كل واحد في رأسه كلام يريد أن يقوله لك ولديه نصائح يريد أن تسمعها وتطبقها !  وهناك سياسيون ومثقفون ومحللون وأحزاب ومراكز بحث، كل هؤلاء سيمدونك بنصائح واستشارات لكنها كثيرة وقد تصل إلى حد التناقض ، يعني واحد سيقول لك اتجه شرقا وواحد آخر سيقول لك اتجه غربا مثلا،  فأنت من واجبك ومسؤليتك إنك تسمع من الشعب ومن النخب السياسية والثقافية وغيرها  ولكن كما قال الشاعر بشار بن يرد :
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فإن الخوافي قوة  للقوادم

أي أنك لا تستطيع أن تطبق كل ما يقال من نصائح لأنها أصلا متناقضة  فهي جهد بشري نسبي فتوخ منها ما يناسب السياق السياسي على المستويين الراهن والاستراتيجي .
فأنت الذي يقود السفينة فوازن بين هذه الاستشارات والنصائح وسترى رأيك فيها فبعضها يصلح وبعضها مايصلح فلا تجعل منها ضغوطا عليك. 
وحين  تتصرف وتتخذ قرارات فيجب
الا تكون مجبرا أو مكرها من طرف ما أو من صوت عام عاطفي أو انفعالي ما لمعالجة قضية معينة في وقت معين قد تؤثر على المشهد العام فيما بعد.  ان بعض رؤسائنا في الجنوب وقعوا تحت ضغوطات شديدة أحيانا فتصرفوا ولم يكن ذلك التصرف سديدا وربما لم يكونوا به مقتنعين .
وحاول البعض الا يخضع للضغوط التي رأى عدم سدادها سياسيا فاصطدم مع النخبة والمزاج العام فكانت نهايته .
 شواهد الواقع مزعجة اليوم  على مختلف المستويات في الجنوب ولكن لا نبالغ بها ونرسم صورة سوداوية لها تثبط الناس وتحبطهم ونتماهى مع الإعلام المعادي  الذي سيشمت بنا ولسان حاله يقول ( وشهد شاهد من اهلها)  وفي الوقت نفسه لا ندافع عن اخطاء واضحة  ولا عن سلوك سياسي أو عسكري أو فساد وندخل في جوقة التطبيل والدفاع غير الموضوعي الذي يزيد الناس تذمرا .
يجب أن نكون موضوعيين وواقعيين في نقدنا وفي دفاعنا كمثقفين وسياسيين واكاديميين فهذا الواقع استثنائي  ومعقد فلابد من فهم فقه الواقع الراهن ، وهنا تحضر (نظرية الجشطلت)  التي تنطلق من الكل إلى الجزء حتى في الرؤية البصرية  فنحن أول  مانرى الشيء كله من بعيد ثم نقترب منه فنرى تفاصيله ، فعندما نعالج الجزء يجب أن نراعي الكل أولا   فربما هذه المعالجة تضر بالكل ، فربما يأتي طبيب فيعالج مرض القلب نفسه مثلا  من غير معرفة صحة المريض العامة وبقية الأعضاء فهذا العلاج قد
يؤدي بحياته أو يزيده سقما إلى سقمه  فلابد من النظرة العامة الكلية أولا  ثم معالجة التفاصيل والاجزاء ومن ثم لابد من التراتبية فهناك أمور مهمة وهناك أمور أهم وهناك ماهو عرضي وهناك ما هو  واستراتيجي .
وهناك أمور  أحيانا يتم  التغاضي عنها أو التغافل عنها لأن أثارتها قد يكون اشد ضررا من اثارها وهكذا 
كما قال الشاعر القديم:
وقد يزل الفتى خوفا من الزلل 
 الذي يحكم ويدير ويقود  ليس مثل الذي يعارض أو ينتقد أو ينظر مع أنه حريص على السداد  لكن التنظير شيء والتطبيق شيء آخر .
 وما أكثر شواهد التاريخ لأناس كانوا في المعارضة وانتقدوا ولما وصلوا إلى السلطة فعلوا ماكان  يفعل الحاكم السابق وربما تجاوزوه.

وأضرب هنا مثلا من الثرات من التاريخ الاسلامي ،  وهو أن عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي عند ماكان شابا ولم يصل إلى الخليفة بعد  وجد جيش يزيد بن معاوية يغزو المدينة ومكة ليطارد عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما  الذي كان معتكفا  في بيت الله  لاجئا من بطش الامويين ،فانتقد عبدالملك بن مروان هذا الغزو وقال كيف تحاصرون البيت العتيق وكيف تأتون مكة والمدينة من الشام بجيش جرار وغير ذلك من الاحتجاج على سياسة يزيد بن معاوية ، ولما دارت الايام ووصل عبدالملك بن مروان إلى الخلافة، حصل معه نفس الموقف وكان عبدالله بن الزبير يمثل تحديا للدولة الأموية في عهد عبدالملك   فذهب هو شخصيا إلى العراق على رئاسة جيش لقتال مصعب بن الزبير حتى قتله ومن ثم أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الحجاز على رأس جيش حتى قضى على حركة ابن الزبير ، وقتل ابن الزبير وصلبه .
هذا هو نفسه الذي انتقد يزيد وجيشه عندما قدموا إلى المدينة غزاة هذا مثل واحد .
نحن نثق بالقيادة السياسية الجنوبية ووعد الرجال للرجال لكن الخوف وارد والحرص وارد والنقد وارد لأن السياسة بحر متلاطم ومظلم  ولكن لا نشكك بكل شيء ولا نطبل لكل شيء
ولا نكون اتباع كل ناعق ونصدق الاراجيف بسرعة ونتذمر ونحبط.
فالثبات مطلوب في هذا المنعطف الخطير وضرورة الالتفاف حول القيادة السياسية الجنوبية وعليها هي أيضا تصحيح الأوضاع بما يخدم استراتيجية  قضية شعب الجنوب.   فحين يرص الجنوبيون صفوفهم يصبحون قوة قاهرة لا يستطيع أحد تجاوزهم إلى جانب التحلي بالولاء الوطني الجنوبي ونبذ أي ولاؤات أخرى ضيقة فقوة القيادة هي من قوة الشعب وولاؤه لقضيته وصدقه مع قيادته 
 كما ينبغي الا نضعف قيادتنا لسبب ما أو لقضية جزئية أو لأمر  هي لم تستطع أن تتجاوزه الان فلابد من إعطائها مساحة للحركة،  لأنها هي من  يقدر الأمور وهي ترى المشهد كاملا وليس هذه الجزئية فحسب .
الإنسان عجول وهو في حب الخير شديد لكن الواقع يستوجب الصبر 
واستكمال أسباب القوة وعناصرها 
وتحمل ألأزمات الخانقة المختلفة 
في سبيل الوصول إلى الهدف الذي ينشده شعبنا. وكما قال احمد شوقي رحمه الله.
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

والله من وراء القصد