آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-03:53م

التشوه القبلي

الإثنين - 18 ديسمبر 2023 - الساعة 11:58 ص

د. عارف الكلدي
بقلم: د. عارف الكلدي
- ارشيف الكاتب


لتشوه القبلي ظاهرة تبرز في المرحلة التي تتحول فيها التجمعات القبلية من مجتمع القبيلة ونظامها إلى مجتمع الدولة ونظامها، وقد أجاد ابن خلدون في وصف هذه التشوهات وفلسفتها في التحولات الطبيعية.

هذا التشوه يكون أخطر عندما يكون تعسفيا يقفز على المراحل، ويعتسف السنن الاجتماعية، وهذا الذي حصل في القبائل المحيطة بعدن بعد الانتقال الاعتسافي الذي قاده الماركسيون العرب في ستينيات القرن الماضي في أوساط هذه القبائل، عندما أرادوا القفز بهم من مرحلة مجتمع القبيلة إلى مرحلة متقدمة على الدولة الغربية الحديثة، وهي مرحلة تخيلية في ذهن الفيلسوف كارل ماركس جرّبها البلاشفة الروس في بلادهم وأثبتت التجربة فشلها الذريع.

وزاد الطين بلة الفارق الخرافي بين عدن الميناء تحت الاستعمار البريطاني التي كانت كأنها قطعة من لندن، وبين معيشة هذه القبائل التي عادت بها السياسة البريطانية الاستعمارية إلى عصور ما قبل الدولة السبئية والحميرية.

عندما تتولى هذه القبائل مقاليد الأمور وتلتقي في ميناء عدن، وينسحب الراعي الايديولوجي الموجِّه، وتغيب العقول المفكرة يتجلى بوضوح هذا التشوه القبلي.

لقد بدأت بوادره تتضح في الثمانينات، وما يحصل في عدن حاليا هو امتداد لذلك الأمر الذي جُمِّد بتسليم زمام الأمور إلى قبيلة الشمال، ولو ترك الأمر يسير طبيعيا لكنا الآن ربما قد تجاوزنا آثاره الكارثية.

إن مما عقد الأمور أكثر في هذه المرحلة هو تعرف هذه القبائل على منتج يحمل براءة اختراع مسجل باسم قبيلة طوق صنعاء التي سلموا لها زمام الأمور، وهو إمكانية الفيد في مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى مؤسسات مشوهة قبليا، ووضع القوانين مجرد زينة خلف طاولة المدير.

ما يؤسف له ويوجع القلب أن ما يسمى المؤسسات الأكاديمية والبحثية والفكرية في عدن ومحيطها يديرها حاليا هذا التشوه القبلي، ويُنظر إليها باعتبارها جزءا من كعكعات الدولة التي تتقاسمها القبائل، في الوقت الذي تحتاج فيه المرحلة احتياجا ماسا إلى هذه المؤسسات وعقولها المفكرة التي ترشد وجهة سفينة المجتمع إلى شاطئ الأمان بأقل الخسائر، ولا سيما أن لدينا تجربة ستين سنة أمدتنا بمؤشرا ذات أهمية بالغة...فهل من مدكِّر؟!