في ظل ما نحن فيه من أزمات و معاناة و تعب ، و ما آلت وما ستؤول إليه أوضاعنا بما هو أصعب ، هل سألنا أنفسنا هل من نهاية لمآسينا أم أنها قدرنا ولا مهرب ، هل بحثنا عن الأسباب حيث لاتحتاج بحثاً و نحن ندرك السبب ، أو أوصلنا أصواتنا لكافة الجهات المعنية و منها الرئاسة و الحكومة و إن كانتا هما أصل البلية ولا عجب ، و يحق لنا أن نرفع أصواتنا في وجه نافخي الكير وحَمَلَة الحَطَبْ ، و أن نُصَوِّبَ أقلامنا الحرة كـ رصاصٍ مُدَوِّيٍ و شراراً من اللهب ، نستهدف به كل فاسد مستهتر بمعاناة شعب ، لا كأقلام الخزي والعار والدفع عند الطلب ، بل يجب علينا إن لم نتساءل في كل لحظة تمر علينا من سيئ إلى أسوأ و الشعب دوماً في كل حالاته يدفع الأثمان دون أن يُوهَبْ ، و ثرواته تصادر و يتقاسم ريعها مع أسياده كل عبد و ذَنَبْ ، بينما صاحب السلطة والمال وهو الشعب ، من حقه توجيه العتب و كشف كل من بظلمه أذنب ، و بعد أن ضاق من وعود فخامة الرئاسة و دولة الحكومة التي تتحكم فيها الولاءات السياسية و تغلب عليها المصالح الضيقة و الخاصة على مصلحة الأمة و عن مراقبة شؤونها العامة عن كثب ، و كلها مجرد مسكنات و ضحك على الذقون و أضغاث أحلام وكذب .
ومع كل هذه المعمعة لم يتوه الشعب أو يغفل عن ما تقوم به البنوك المركزية الوطنية من جهود في بلدان العالم ، وما المسؤولية التي على عاتقها و النجاح الذي تحققه رغماً عن كل التقلبات ،
و من هنا جاء السؤال الذي فرض نفسه و بقوة :هل لمسنا دوراً إيجابياً واحداً فقط قام به البنك المركزي تجاه شعبه ، منذ أن تم نقله الى عدن ؟
و بعد أن تجيبوا عليه ، أعيدوا التساؤل ولكن بطريقة أخرى بقولكم ،، مالذي يجبرنا القبول باستمرار قيادته والفشل الدائم والمستمر دندنهم ، و إلى متى سيظل الشعب رهينة سياسات غبية !!
لم يمارس البنك المركزي في عدن المهام المنوطة به بالشكل المطلوب و لم يقم بالمسؤولية التي على عاتقه منذ قرار نقله ، سيما في ظل هذه الظروف الاستثنائية الحرجة التي تتطلب جهوداً مكثفة من عقول ظننا أنها ناضجة و أصحاب أفكار و دراسات اقتصادية ناجعة ، أوكلت إليها مهمة انتشالنا من الوضع المزري المخيف (من حافة الهاوية إلى بر الأمان على الاقل و ليس الإستقرار و التنمية !!).
و طوال تلك الفترة ، لم يمارس البنك المركزي منذ انتقاله إلى العاصمة المنكوبة عدن ، سوى ما يقوم به الصرافين والتي تكتظ البلد بمحلاتهم في كل بقعة وحاره ، وهو الصرف والإستلام الروتيني وبيع العملات إلا أن بيع البنك المركزي يختلف عن الصرافين في أنه يبيعها بالمزاد العلني ، و ليتهم أسرُّوها بدل علانيتهم المخزية .
صورة قاتمة و مؤلمة تنم عن إفلاس ليس مالي وحسب والذي هو نتيجة حتمية طبيعية ، فلو فتشنا عن مسبباته التي أدت إلى ما نحن فيه اليوم و ما سيكون عليه الغد المجهول والمثخن بالجراح الغائرة ، سنجد يا سادة أنه الافلاس الأخلاقي و الديني و الوطني لإدارة بنك ينبغي أن تكون المنقذ لأوضاع الوطن و مواطنيه لا أن تكون عبئاً عليهما ، و بأي حق و لأي تقدير يعطوه و يكافئون عليه وهم قد أثبتوا فشلهم و أمعنوا في الشعب حد الإهلاك للحرث و النسل و الحجر والشجر ، حتى يخصصوا لأنفسهم حوافز و نثريات و سفريات و مخصصات إضافة لمرتبات شهرية بعشرات الآلاف من الدولارات الأمريكية ، و بأضعاف أضعاف ما يتقاضاه من كانوا و مازالوا سبباً في انتعاش اقتصاد بلدانهم من محافظي و مدراء بنوك مركزية وطنية في الدول العربية و الأجنبية !!
ففي كل دول العالم أجمع ، مهما مرت بها دولهم من ظروف استثنائية أو حوادث وكوارث إلهية ، أو حروب دامية أو خلافات سياسة أو سقوط أنظمة و صعود سلطة سياسية بديله ، كل ذلك مهما حصل إلا أنه تبقى السلطة النقدية المركزية مستقلة ، ثابتة بامتياز و وطنية ، و القائد للجبهة الداخلية الإقتصادية الشعبية ، هذا متى ما أديرت بمجلس اقتصادي مستقل و بمعزل عن السياسات الضيقة ، مجلس يضم كوادر خبيرة و أكاديمية اقتصادية و مالية ومصرفية مشهود لها بالذمة المالية و بالصفات الأخلاقية و بإخلاصهم للمسؤولية و ولائهم الثابت لوطنهم مهما كانت المغريات الدنيوية ، فدورهم يعتمد و تعول عليه الشعوب لبقاء الدولة، لأن دورهم و بلا منازع أكبر و أهم و أعلى و أقوى مما تقوم به القيادات السياسية .
فإذا بنا ننصدم و نكتشف من خلال ما نمر به من واقع مرير ، وكأن أموال الشعب و الدولة يدير تصريفها حفنة من لصوص وقطاع طرق و ليسوا رجال دولة مخلصين ، و بفكرهم مستقلين ، و أصحاب قرار شجاع رصين ، وشخصيات معتبرة تتسم بالحكمة و الوقار ، و لا خبراء في إدارة الأعمال والإقتصاد والتعاملات المصرفية ..
إذ أثبت البنك المركزي اليمني في صنعاء ، والذي يقول عنه المفلسون كما يحلو لهم بأنه (غير معترف به دولياً) بأنه يدار من قبل اختصاصيين و قامات وهامات إدارية و اقتصادية و مالية و مصرفية وفي إدارة الأزمات و التعامل بمستوى عالٍ من الإمكانات والخبرة و القدرات الذهنية ، و يكفيهم فخراً و شهادة ، حفاظهم على قيمة العملة المحلية من التدهور والسقوط ، و بالرغم من الحصار و العقوبات المفروضة عليهم كما يقال لنا و يضحكوا به علينا ، الا أن البنك المركزي التابع لـ ( الإنقلابيين) يتعامل بصورة طبيعية مع البنوك والصناديق والمنظمات الدولية الرسمية منها وغير الرسمية ،
و إذا بالبنك المركزي في عدن و الذي يقع تحت إمرة (الشرعية المعترف بها دولياً) أن لا شرعية له في البنوك الدولية ، إذ لم نشهد أي اتفاق بنكي أو تعاون اقتصادي مشترك بينه و بين البنوك العربية أو الأجنبية أو اي شركات و منظمات دولية رسمية ، أو أقيمت عبره أي مشاريع خدمية حيوية ، ثم مالذي أقوله ، و يبدو أنني قد تناسيت بأن فاقد كل شيئ لا شيء واحد كيف يعطيه!!
ولو أن في المحافظ ومجلس إدارة البنك المركزي خيراً لعملوا على إثبات جدارتهم و كفائتهم وحجتهم للبقاء على هرم السلطة النقدية المركزية ، و استحقاقهم لما يصرف لهم من أموال طائلة تعد سحتاً وظلماً ، إذ تفوق حاجة الميزانية التشغيلية للعديد من المرافق الحكومية التي حرم موظفوها من استلام معاشاتهم والبركة في جهابذتنا من الخبراء في المال والإقتصاد ، فهم لم ينجحوا في إختبار و مهمة أساسية و بديهية في عملهم ، و هي تأمين معاشات كل الموظفين في كافة القطاعات المدنية و العسكرية والأمنية في الدولة و بصورة شهرية ، وتسوية معاشات من أفنوا حياتهم في خدمة الوطن و دافعوا عن استقلاله و من أنهوا خدماتهم في مرافقهم بسجل نظيف مشرف ممن لازال منهم أحياء و يعانون الأمرين و من فارق الدنيا دون أن تقوم الدولة بواجبها تجاههم في مرض أصابهم أو فاقة حلت بهم ، و المكافأة التي قدمت لهم ، هي أن يتقاضون معاشات زهيدة عبر البريد و بعد تعب و انتظار و طابور و قهر و إذلال ، فوالله إن معاشاتهم لا تتعدى قيمة كيس أرز ٢٠ك والبعض أقل و أقل ، ظلم ما بعده ظلم و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ،،
فعن أي محافظ أو رئيس مجلس لإدارة بنك مركزي وطني يرجى منهم خيراً وهذا حال معظم فئات الشعب !!
و حتى لا يظلمهم الشعب ويغضب عليهم فالق النوى والحَبْ ، لابد أن يصارحوه بحقيقة الأمر ، فإن كان سبب إخفاقهم في القيام بدورهم و إنجاز أعمالهم هو لعدم كفاءتهم وأن تلك هي أقصى إمكانياتهم ، فلا بارك الله فيهم ، وعار عليهم البقاء و علينا إن لم نحاكمهم ، و إن كان ما يمنعهم عن القيام بواجبهم و يضعف أداؤهم هو نتيجة لتعرضهم لقيود وضغوطات من جهات خارجية و إقليمية مورست و تمارس ضدهم ، فعليهم أن يوضحوا ذلك للرأي العام بكل صدق و شفافية ، والا ستكون تهمتهم ليست الفشل في إدارة الأعمال و المهام الموكلة إليهم و حسب ، بل لعمالتهم و خيانتهم لشعبهم و وطنهم .
و أنوه في ختام سطور عابرة و التي كتبتها من رحم المعاناة اليومية و بعد قراءة نظرية واطلاع و مقارنة أحوالنا مع أحوال البنوك المركزية الوطنية في بلدان عربية واجنبية ، و الدور الذي لعبته إداراتها في الحفاظ على دولهم من الإنهيارات القاتلة ، فانهيار الدولة ليس بسقوطها عسكرياً ولا بتغيير رموز قيادتها بانقلاب ابيض او أحمر قاني ، بل إن الانهيار الحقيقي للدولة هو بانهيار اقتصادها و إضعاف عملتها ، و غلاء سلعها و فاقة و حاجة شعوبها ، وإن لم يكن باحتلال خارجي أو انقلاب داخلي .
و أؤكد مجدداً بأني لست خبيراً اقتصاديا و لا مصرفيا في هذا المجال ، ولن أسمح لنفسي بالتعدي على أهل الإختصاص أو بتناول الموضوع من جانب علمي لا أفقه فيه ولا أجيد التعامل بلغة الأرقام والحسابات والتقديرات و النسب و البيانات المحاسبية ، بل إني أنتهزها فرضة لأتوجه إلى الإختصاصيين في مجال الإقتصاد و التعاملات المصرفية و في إدارة الأزمات وإدارة الأعمال وفي كل التخصصات المرتبطة بالجانب المالي بشكل عام بإن يخرجوا من صمتهم و يدلوا بدلوهم ويقدموا النصح و الحلول العملية والبدائل السليمة الناجحة الناجعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، قبل فوات الأوان ، سيما و نحن على شفا جرف هارٍ سنقع فيه جميعنا إن لم يقم أهل العلم و المعرفة و الإختصاص ، كل بواجبه في ظل هذه الظروف الأكثر شدة وحاجة لبذل الجهود و تقديم العطاء تجاه وطنهم و شعبهم ، و قبل كل ذلك ، إرضاءاً لله و خدمة للبشرية .