بقدر ما شدّني إندفاعية الجماهير المحتشدة لمباريات العرس الكروي الذي تقيمهُ إدارة مديرية كرش/ القبيطة ممثلة بمكتب الشباب والرياضة بقدر ما ادهشني واحزنّي في الوقت ذاته منظر ذوي الإعاقة الحركيّة وهم يحرصوا بعكاكيزهم الوصول لمسافة قريبة من حافة الملعب، ونظرا لعدم وجود المدرّجات تراهم يخالون بين الحاضرين الموقع المناسب الذي يمكّنهم من مشاهدة اللعب والإستمتاع به.
فالحرب التي سلبتهم نعمة الحركة والمشي ولا مجالًا يعوّضها ويقوم مقامها، بالتأكيد بإستمراريتها في ظل غياب البدائل التي تساعدهم على التخفيف من وطئة المصيبة وقتل الفراغ والملل لديهم، تُصبح كل مناسبة مهما كانت حجمها ونوعها مصدر سعادة وفرح لهم يكابدون المشقّة والتعب من أجل الوصول إليها.
فقدرهم أن المقذوف الناري الذي نالهم ومزق أعضاءهم وبالتالي ذهب بأحلامهم ولم يسقط عنهم الحياة من لحظتها مباشرة إلا أنه أفقدهم من توّه طعمها ومذاقها، مسببًا لهم صدمة غير متناهية تزداد فداحتها وقساوتها كلما أحسّوا وشعروا بردات فعل باردة من المجتمع تجاههم.
ومن الطبيعي أن يكون الاهتمام والرعاية بمثل هؤلاء الفئة المقهورة من ضحايا الحروب والنكبات متفاوتًا بين مكانًا وآخر، وهذا يأتي تبعًا لمستوى الوعي والإمكانات المتوفّرة والمتاحة لدى الناس، إلا أنه في الأرياف يحتل مرتبة متأخرة أو بالأصح هو معدومًا بالمرة، وذلك لغياب أمور عديدة أهمّها أماكن الراحة والاستجمام كالنوادي والمنتزهات وغيرها من الوسائل التي تحفٰز اولئك على التواصل والاندماج مع الآخرين، بما يمكّنهم من بناء علاقات اجتماعية تحسّن وضعهم النفسي والمعيشي.
ٱحمد صالح فضل رجل ستيني من العمر يستقيم ويمشي على عكازين له قصة طويلة مع الإعاقة لكنه استطاع بفعل إصرار وعزيمة لا تلين أن يتمرد ويقهر واقعه جاعلًا من معاناته مصدر إلهام لأمثاله من المعاقين والمستوين على حدٍ سوأ، فهو يستهل ساعات نهاره الأولى إلى بعد الظهر في كشك يبيع الخضار والفاكهة وبعض المستلزمات الحياتية، والأخير يكمله مع فريق كرة قدم يسميه "سامبا الحبيل" يدرّبه ويشرف عليه ولا يبالي أن يقتطع له جزءًا مناسب من دخله اليومي يدعم بها تحركاته وأغراضه الرياضية، لحد أنه سعى واقنع ملاك أرض بتخصيص مساحة معينة يجري عليها مبارياته وتمريناته المعتادة.
في ذلك يُسأل عن سر شغفه الكبير بالرياضة وتحمّلهُ لأجلها كل هذه المشقة والعناء؟ فيحيب بأن السر يكمن كله وراء الأحساس بالضيق وبالوحدة؛ فمن بعد إصابته صار فاقدًا لأشيئ كثيرة يألفها ولا من يعوضه عنها، وكانت فكرة إنشا فريق كرة قدم لقريته هو بمثابة الباب الذي من خلاله يـُطل على المجتمع والناس من حوله، وبصورة جديدة تعكس ما يتعرض لها الإنسان المعاق من تحديات وما يقع فيه من متاهات.
تلك حالة قد يكون حظها وجدت في من يمنحها عن طريق كرة القدم دفـء المشاعر الحميمية، أما غيرها وهي حالات كثيرة ومتنوّعه تعج بها مجتمعاتنا وازدادت وتيرتها بشكل ملحوظ بعد إندلاع حرب الحوثين 2015 ولازالت تعيش ظروف مآساوية وكارثية، وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى صارت تتعرض في واقعنا اليوم لأبشع صنوف القهر والإذلال، ولا من يرحمها ويرأف بحالها لا من الدولة ولا من المجتمع حولها.