آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-06:47م

لماذا لم تصبح أشكال (الكتابة الأكاديمية) تقليداً في جامعاتنا؟

الإثنين - 27 نوفمبر 2023 - الساعة 09:44 م
أ.د. مسعود عمشوش

بقلم: أ.د. مسعود عمشوش
- ارشيف الكاتب



في الجامعات الغربية يتم، من المستوى الأول، تدريب الطالب على كتابة المقالات والبحوث والملخصات والتقارير بأنواعها، ويتدربون كذلك على مناهج التعبير والتفكير المنهجي. وهناك مئات من الكتب المكرسة لإرشاد الطلبة لكيفية كتابة مختلف أنواع الكتابات الأكاديمية التي يتمرن عليها الطالب بشكل منتظم طوال فترة دراسته الجامعية. 
ويبدو لي أن من أهم نقاط الضعف التي التصقت بنظامنا الجامعي: عدم قدرة معظم كلياتنا، وتحديدا تلك التي يتسابق عليها الطلبة، على التشعيب؛ فأثناء تدريسي في أقسام اللغة العربية أو قسم الصحافة والإعلام في جامعة عدن كان عليَّ –في بعض السنوات- أن أدرس المادة بمفردي لمئة وستة وسبعين طالبا، وعليّ أن أتولى بنفسي تقييمهم وتصحيح كراساتهم وامتحاناتهم. وكان من النادر أن يهبط عدد طلبة الصف الواحد في قسم الصحافة والإعلام عن 120 طالبا.
وعلى الرغم من أن كثيرا من الخطط الدراسية (كانت) تبيّن أن المساحة الزمنية المخصصة للمساق تتضمّن ساعات نظرية وساعات عملية إلا أن الواقع (كان) يختلف تماما. واليوم في جميع كليات العلوم الإنسانية أصبحت كل ساعات المواد نظرية، وسبب ذلك الاحتساب المجحف للساعات العملية من قبل واضعي اللوائح الجامعية، الذين جعلوا كل ساعتين عمليتين تساويان ساعة نظرية، وعدم إلزام أعضاء الهيئة التدريسية المساعدة، المعيدين والمدرسين، بتغطية الساعات العملية، وربما بسبب عدم توفر القاعات.
وأجزم أن الارتقاء بالمستوى التعليمي لطلبتنا يتطلب منّا التركيز على جعل التعليم الجامعي يركز أكثر على الجوانب التدريبية والعملية، وإكساب الطلبة المهارات اللازمة لممارسة تخصصهم، وعدم جعل التعليم الجامعي رديفا لتلقين معارف مختلفة في محاضرات جماعية.
وذات يوم كتبت في (أيامي في سيئون وبوردو): "كان النظام التعليمي في فرنسا في العلوم الإنسانية في غاية الصعوبة والفعالية، فقد كان تدريس الوحدات الدراسية يتوزع بين كثير من ساعات (الأعمال الموجهة les travaux dirigés)، وقليل من المحاضرات التقديمية النظرية يلقيها علينا، عادةً في المدرج 700، أساتذة مسنون وذو خبرة طويلة في إلقاء المحاضرات بطريقة شعرية وجذابة، تجعلنا نتسمر في مقاعدنا ساعات طويلة، على الرغم من رائحة النبيذ التي تفوح منهم، ولا تؤثر مطلقا في انسيابية إلقائهم. ويتولّى مسئولية تقييمنا في مختلف الوحدات الدراسية مدرسو الأعمال الموجهة، التي نُوزّع خلالها على مجموعات صغيرة، لا يزيد عدد الطلبة في كل منها عن 20 طالبا. وكان الطلبة، الذين سبقونا في العذاب، قد نصحونا أن نختار المدرسين (الشريرين)، لنتجنبهم يوم الامتحان الشفهي، إذ لا يحق للمدرس تقييم طلبة مجموعته. وكان الامتحان النهائي يتكوّن من جزء تحريري، وجزء شفهي لا يمكنك التقدم له إلا إذا نجحت فيه الجزء التحريري.  ويرصد جزء من الدرجات لأعمال الفصل التي تتكون من المثابرة والمشاركة وكتابة ما لا يقل عن ثلاثة واجبات، يسمونها (مقالة أو كتابة نقدية مركبة  (dissertation ou commentaire composé)، يمارسها الطلبة الفرنسيون وهم في الثانوية العامة".