آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-02:06م

خصم رواتب الجنود

الخميس - 16 نوفمبر 2023 - الساعة 02:44 م

ناصر علي الحربي
بقلم: ناصر علي الحربي
- ارشيف الكاتب


تنفرد بلادنا وللأسف الشديد بالظاهرة المشؤومة الغير انسانية والمحرمة شرعاً وقانوناً، ألا وهي ظاهرة الخصم القصري لما يسمى بالراتب الشهري الهزيل للجندي الذي لا يكاد أن يكفيه راتبه لقوت يومه، فما بالك بالتزاماته في رعاية أسرته وأطفاله.

راتب شهري للجندي يقدر بـ 30 إلى 50 دولار يتعرض للتهديد يوماً بعد يوما، نتيجة ارتفاع الدولار وهبوط العملة الوطنية والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية.. راتب يسمى شهري لا تستطيع الدولة أن تؤمنه للجندي شهرياً وبشكل منتظم، المبرر الواهي لدى بعض القادة هو غياب الجندي، أي غياب أخي القائد وقد اصبحنا نحن وانتم ودولتنا الموقرة في علم المجهول.

هل سأل بعض القادة المتعطشين لنهب رواتب جنودهم، أنفسهم يوماً عن جهد متواضع لهم في تجهيزات ممكنة لمعسكرات متواضعة يمكنهم أن يحفزوا بها الجندي ويخلقوا فيهم روح البقاء في معسكرات لا زالت عبارة عن دشم خالية من وسائل الصرف الصحي وكل المتطلبات المنطقية للحياة؟

هل سأل القادة أنفسهم ماهي المهام التي قد يؤديها الجندي المواظب في حضوره في الوقت الذي يترك فيه القادة الحبل على القارب لبعض الحضور من جنودهم الذين يقضون يومهم في النقاط ويفرضون الجبايات على اخوانهم المواطنين؟

هل فكر القائد في تحسين الظروف المعيشية للقلة النموذجية من الجنود الذين لا يتجاوز عددهم 10% من قوة الوحدة وهم الملتزمين بالبقاء في معسكراتهم؟ (اقول ذلك عن تجربة نزولي للمساعدة في تطبيق الملاك الى عموم الوحدات العسكرية)، قلتها وكتبتها في تقاريري العسكرية، قلتها للرئيس السابق علي عبدالله صالح إن عدد الجنود المتواجدين في معسكرات القوات المسلحة لا يتجاوز 10 % من القوة المحسوبة مالياً على الوحدات العسكرية.

هل خصص القائد ولو نسبة بسيطة من الخصميات الشهرية لتحسين وضع ومعيشة جنوده المتواجدين في المعسكرات؟ 

أسئلة كثيرة مشروعة يحق لنا أن نقدمها للأخوة القادة عسى أن يفهمونا.. اما النظام والقانون الذي يتغنى به بعض المتنفذين وبعض القادة إعلامياً فنحن وغيرنا الكثيرون من الأخوة الإداريين نفهم هذا النظام ولجيشنا تجارب إدارية عريقة في خصميات الرواتب الغير مستحقة للجنود، ولكن ذلك مرهون بتهيئة ظروف مناسبة ومعقولة لحياة الجندي وارتباطه بمعسكره وادائه لواجبه الوطني.

صحيح النظام والقانون يقر الخصم من الراتب ولكن المبالغ المخصومة يجب أن تورد إلى خزينة مالية خاصة بالقوات المسلحة لا إلى الخزائن الخاصة.

من تجربة أود أن أتذكر بإيجاز كيفية كان التعامل القانوني مع ظاهرة غياب العسكري أو مخالفته في دولة النظام والقانون.

محاكمة العسكري الغائب من واجبه أو معاقبته على أي مخالفة قانونية عمل مشروع ولكن ذلك يتم في الظروف الطبيعية وبرواتب شهرية تستحق الذكر وتصرف شهرياً بانتظام، ويمكن أن يتم ذلك وكما كان معمول به في جيشنا، وفقا لما يلي:-

1/ يقدم الجندي للمحاكمة أمام قائده عن فترة الأيام التي غابها ويحكم عليه القائد غرامة للأيام التي تغيب فيها الجندي ولأنها أيام لم يعمل فيها الجندي فإن راتبها يورد إلى خزينة الدولة، وفي ظروفنا الراهنة يمكن أن تورد إلى خزينة القوات المسلحة.

2 / أما حكم ما يسمى الخسارة على الجندي بسبب مخالفة ارتكبها فمبلغها يورد إلى صندوق الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي الذي يديره عادة أحد الضباط الأمناء والمؤهلين في المحاسبة ويشكل للصندوق مجلس إداري من الضباط الاكفاء يعملون وفق نظام مالي يقدم فيه المجلس وبناء على توجيهات عليا المساعدات لمنتسبي القوات المسلحة.. ويقدم تقاريره الدقيقة حول عمله وحجم إيراداته ومصروفاته الشهرية إلى جهات الاختصاص العليا...

علماً أن لدى الصندوق اموال مخصصة تحال إليه شهرياً من رواتب العسكريين ويحق للصندوق قانوناً أن يستثمر الأموال في تطوير وخدمة القوات المسلحة ومنتسبيها العاملين، والمتقاعدين وللصندوق تاريخه المشرف في إنشاء مشاريع استثمارية تخدم القوات المسلحة ومنها حسبما اذكر، مصنع البلاستيك، ومصنع البسكويت، وغيرها... من المصانع التي لم تسعفني الذاكرة لذكرها.

هذا هو النظام السليم والضامن لحقوق الجنود وهو نظام معمول به في بعض البلدان، ولدى بلادنا، وخاصة التجربة الناجحة في هذا المجال، في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية... ولحسن الحظ فمن كانوا قائمين على هذه المهام لا زالوا أحياء يرزقون بيننا وقادرين على التعاون مع الآخرين في إعادة هذا النظام، ولا مستحيل في ذلك متى ما توفرت القناعات والنيات السليمة.

يمكنا أن ننهي حديثنا في هذا الموضوع الشائك بالفكرة العامة التالية:-

" تكمن الفكرة العامة في عودة النظام الإداري والمالي للقوات المسلحة إلى سابق عهده.. وهذا أهم تحدي يواجه اليوم قواتنا المسلحة ومنتسبيها بعد كل الأخطار التي تعرضت لها وقادت إلى تراجعها عن أداء وظيفتها الدستورية في حماية الأمن القومي للبلاد.. ومن اهم هذه التحديات اليوم تأتي عملية توحيد قاعدة البيانات الإدارية وتنظيف السجلات من المزدوجين والوهميين وفرز الحالات بحسب القانون ومتطلبات الخدمة ووضع عادل وشامل ونهائي للرديات والخصومات التي أثرت كثيراً على جاهزية القوات المسلحة وأحدثت تراجع مخيف وخطير في بنيتها التنظيمية يتطلب سرعة معالجته برؤية استراتيجية مستقبلية تبعد القادة عن المال العام وضبطه بأدوات وسياسات إدارية ومالية شفافة، كما كان قائماً وناجحاً في تجاربنا الماضية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية رصد الموازنات التشغيلية والاعتمادات والعلاوات وغير ذلك، وتفعيل دور الرقابة والمحاسبة وأخذ مستحقات وهموم القادة بعين الاعتبار، ومنع عملية الخصم من مرتبات الجنود بصورة نهائية، وتعميم نظام البصمة، وتخصيص عائدات الغياب لصندوق تبع القوات المسلحة، تستخدم الأموال فيه لصالح عملية التطوير والاستثمار في القوات المسلحة، وبما يخدم معيشة منتسبي القوات المسلحة والمحالين للمعاش التقاعدي، وجعل القادة يركزون على تحسين مستوى جاهزية وحداتهم القتالية والمعنوية، وتعزيز دور الانضباط والتدريب العسكري.