آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-10:12ص

التضخم الوظيفي العسكري

الثلاثاء - 14 نوفمبر 2023 - الساعة 06:15 م

ناصر علي الحربي
بقلم: ناصر علي الحربي
- ارشيف الكاتب


يشكل التضخم الوظيفي في القوات واحدة من الاشكاليات التي تؤدي إلى اضرار فادحة في البنية العسكرية وتراجع في مستوى الجاهزية القتالية والمعنوية للقوات المسلحة.

وعليه وفي هذا السياق ووفقا للمهام العسكرية الاستراتيجية التي اُنيطت بناء في ادارة وتنظيم وهيكلة القوات المسلحة فقد بذلنا جهوداً في عملنا في مجال التخطيط والتنظيم العسكري منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي في عدن يليها مواصلة مهامنا في هذا المجال على فترات متقطعة خلال اقامتنا في صنعاء حتى العام 2013م.

ولأن ظاهرة التضخم العسكري انتشرت بعد إعلان الجمهورية اليمنية نتيجة للمماحكات السياسية التي نشأت بين الشركاء في الحكم نتيجة عشوائية العمل الإداري العسكري الغير مبني على النظام والقانون النافذ في القوات المسلحة.

من هُنا بدأنا في تقييم مستوى الاستكمال البشري للقوات المسلحة عامة ولكل وحدة عسكرية على حدة لمعرفة حجم وطبيعة الاختلالات الادارية التي كانت سببا في ظاهرة التضخم الوظيفي.. لم يقتصر دورنا مع الدوائر العسكرية المختصة في ادارة القوة البشرية في كشف الاختلالات فقط فحسب بل وقدمنا الحلول والمعالجات المناسبة والمنطقية للحد من هذا التضخم وازالته تدريجياً.. كان ذلك من خلال تقاريرنا التي كنا نرفعها الى المؤتمرات السنوية لقادة القوات المسلحة.

ولواقعية وصحة ما كانت تتضمنه تقاريرنا المقدمة سنويا الى القيادة السياسية في المؤتمرات السنوية للقادة فقد كانت معلومات مسموعة نالت رضا الكثير من القيادات العسكرية الراغبة في الارتقاء بمسؤولياتها العسكرية في الحفاظ على الجاهزية القتالية والمعنوية لمنسبي القوات المسلحة. 

لقد بات معلوماً وواضحاً حجم هذا التضخم واضراره التي عكست نفسها سلباً على الحياة المعيشية لمنتسبي القوات المسلحة.

سأتحدث في هذه الجزئية ومن تجربة شخصية عشتها عن قرب عن الحجم الفعال والمتواضع لما كان يسمى بجيش الجنوب العربي، وجيش البادية الحضرمي.

في النصف الأول من عام 1966 وهو العام الذي التحقت فيه بسن مبكر إلى جيش الجنوب العربي.. بدأت مشواري العملي في أعرق مكتب إداري عسكري كان يسمى (Record Office) مكتب التسجيل.. الذي كان يؤدي مهام عدد من الدوائر العسكرية التي اقتضت الظروف انشائها على مراحل زمنية بعد الاستقلال اذكر منها، دوائر الضباط – الأفراد - التجنيد – القضاء -والشؤون القانونية - العلاقات الخارجية - التخطيط - ودائرة التقاعد - والضمان الاجتماعي.

لم يتجاوز قوام مكتب التسجيل قبل الاستقلال عدد (2 إلى 3) ضباط، و (15 إلى 20) صف ضابط وجندي.. كانوا موظفين مختارين وعلى كفاءة إدارية عالية، مرجعهم في العمل النظام والقانون لا غيرهما.

عدد متواضع جدا لموظفي مكتب التسجيل كانوا يتولون المسؤولية في إدارة القوة البشرية لجيش الجنوب العربي الذي لم يتجاوز عدده في ذلك الوقت 5000 شخص، من ضمنهم الضباط الذي لم يتجاوز عددهم 200 ضابط فقط في الجيش (خمس كتائب مشاة قوام كل كتيبة 500 شخص كانت متمركزه على الحدود)، تؤمنها سرايا تمارس مهامها من عدن (الاشارة الورشة الطب النقل)، إضافة الى جيش البادية الحضرمي الذي كان أقل حجما، وتم دمجه إلى جيش جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بعد الاستقلال.

للأهمية.. أتذكر إحدى المهام الرئيسية لمكتب التسجيل التي كانت مهمة مراقبة التوازن الكمي والنوعي في حجم الجيش وتوزيعه، وبحسب الظروف والحاجة على قبائل الجنوب اضافة إلى استيعاب بعض المواطنين القادمين للعمل من المحافظات الشمالية ويتم توظيفهم بأسماء قبائل جنوبية... كان مكتب التسجيل يصدر قوائم أسبوعية وشهرية تسمى قائمة القبائل يحدد فيها عدد كل قبيلة في الجيش.

لم اتوسع كثيرا في التاريخ وأود أن أذكر هُنا الدور المتميز الذي لعبه موظفو هذا المكتب قبل الاستقلال، وفي مراحل لاحقة بعد الاستقلال في تنظيم وإدارة القوات المسلحة بقدرات الموظفين واستفادتهم من النظام الإداري الإنجليزي الموروث والعمل عل خلق توافق وتجانس ثلاثي جميل لنظام إداري (وطني، شرقي غربي)، ارتكزت عليه كل الأعمال الإدارية والتطورات اللاحقة بعد الاستقلال مع الحفاظ بالأسس والمعايير الوطنية..

كانت مرجعية دقيقة لتنظيم وإدارة القوات المسلحة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يتم العمل على أساسها، لذى رأت القيادة السياسية للبلاد بعد قيام الجمهورية اليمنية في النظام الإداري في الجنوب باعتباره نموذجا ينبغي الاقتداء به في جيش الجمهورية اليمنية.

لقد تحدثنا كثيرا في صنعاء ومن منبر المسؤولية الملقاة على عاتقنا عن الأضرار الفادحة للتضخم الوظيفي للقوات المسلحة باعتباره الموضوع الذي كان يغلق القادة الشرفاء والخيرين...

لم نكتفي بكشف الاختلالات الجسيمة التي كانت سبباً في هذا التضخم الذي ظهر بعد إعلان الجمهورية اليمنية، نتيجة المماحكات السياسية، بين شركاء الحكم، بل قدمنا مقترحاتنا بالحلول والمعالجات التي نالت رضا الكثيرين من القادة في مؤتمراتهم واجتماعاتهم السنوية وتبنيها ضمن القرارات والتوصيات الصادرة عن هذه المؤتمرات...

اليوم وبعد 56 عاماً من استقلالنا الوطني وبعد المقارنة الصادقة بين ماضينا وحاضرنا فإنه من العيب علينا أن نخفي حقائق وممارسات متعمدة من البعض، تستهدف آمال أغلبية منتسبي القوات المسلحة في بناء وتنظيم قوات مسلحة وطنية قادرة على حماية الوطن والحفاظ على أمنه واستقلاله وحريته. وتؤمن لهم حياة حرة كريمة.

من المعيب اليوم أن نرى ذلك التضخم الجنوني والغير منطقي لدينا نحنُ أصحاب المدرسة الإدارية الذي توافق حولنا وحول صحة تجربتنا الكثير من الشرفاء.

على الرغم من توفر المعلومات وإمكانية التوسع في موضوع استراتيجي بحجم وطبيعة التضخم الوظيفي للقوات المسلحة إلا أن المساحة المخصصة لا تمكنا من التوسع..

وعليه نكتفي بهذا القدر من الحديث، وللحديث بقية....