حبال الكذب قصيرة

حتى اليوم وخلال 54 سنة مضت من حياتنا ونحن نسمع بعض القادة السياسيين والعسكريين وبعض الأدباء والكتاب والمحللين السياسيين والعسكريين يعبرون عن آرائهم حول ما كانت تسمى بالخطوة التصحيحية التي كانت تحتفل بها الدولة.

ولأنها كذبة فقد تبخرت بزوال مخططيها ومنفذيها اللذين أسسوا لها وكانوا سبباً في قيامها في 22 يونيو 1969م واطلقوا عليها الخطوة التصحيحية، بينما هي خطوة انقلابية بكل ما تعنيه هذه العبارة من معاني وطنية...

لقد أسس الانقلابيون لهذه الخطوة التي كانت بمثابة انحراف واضح لمبادئ وأهداف ثورة 14 أكتوبر... انقلبوا على زعيمهم الروحي والأكبر منهم سناً ونضالاً وقدراً المناضل المرحوم قحطان محمد الشعبي، الذي حجزوه في غرفة وحيداً حتى لقي ربه بعد سنوات من خطوتهم، وتطاولوا على أشرف المناضلين وهو الثائر والعقل المفكر لثورة 14 اكتوبر المجيدة فيصل عبداللطيف الشعبي، الذي كان يرعبهم وهو مكبل في زنزانة وقاموا بتصفيته.

ولم يقفوا عند هذا الحد فكل من كان من نخبة قحطان وفيصل وسيف الضالعي والبيشي والعولقي والشاعر وعبدالباري قاسم وشقيقة ومحمد عبدالولي وغيرهم من استدعوهم من سفاراتهم لنزهة سياحية فكانت الفضيحة في تفجير طائرتهم والتخلص منهم ومن ثقافتهم وعلمهم الذي لا مكان له... كانوا أبرياء وصدقوا انها نزهة كانوا مستبعدين أن يكون لهم أخوة ورفاق نضال يودعوهم من تحت الطائرة وهم يعلمون انهم سيبحثون بعد ساعات عن اشلائهم....

كان السفير احمد صالح الشاعر سفيرنا في موسكو شخصية يحتذى به من كل سفراء العالم، وعلى الرغم من دورة النضالي في الكفاح المسلح الا انه انخدع ببراءته، فلم يصدق ذلك رغم ان الملحق العسكري الذي كان يعمل معه في السفارة وهو المناضل المرحوم علي شيخ عمر كان ينصحه يقول له بلهجته البدوية يا ولدي وين تبا رد عليه بانشوف بلدنا بعد التحرير قال وصدقت اندني عمرك حجزت لي ولك الى القاهرة ولكن الشاعر الشاب المناضل اصر على زيارة بلده بعد جلاء المستعمر البريطاني.

علي شيخ عمر كان قائد أمني مخضرم الله يرحمه أفرج عليه من السجون البريطانية قبل الاستقلال، ولان هذه الخطوة كانت الأساس لخطوات اخرى لحقتها سميت الثانية بالقضاء على اليسار الانتهازي (سالمين) والثانية بالقضاء على اليمين الانتهازي وعملاء الامريكان وكان ثمنها تدمير ما بُني من قوات مسلحة بأفرعها وصنوفها البرية والبحرية والجوية والصواريخ وهدم منظومة تعبوية جبارة لا يضاهيها أي منظومة على المستوى العربي.

لقد أسست هذه الحركات الانقلابية لمراحل نزوح شاملة للجنوبيين عن ارضهم وما تعرضوا له من معاناة نتذكر ولكنا نصحى يوما بعد يوم كذبوا علينا ونالوا جزائهم ولا ندم عليهم بل اننا نادمين على أنفسنا ومعاناة شعبنا المسكين والمغلوب على امره ونحمد الله بان السحر انقلب على السحرة وأصبح واضحاً كل الوضوح بان حبال الكذب قصيرة.

عدم الاحتفال بذكرى تلك الخطوات كما كان متعارف عليه سنوياً يدل على انها خطوات مصطنعة كاذبة في جوهرها.