آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-06:47ص

هل يصلي السعوديون ؟

الأربعاء - 08 نوفمبر 2023 - الساعة 10:37 م

سام الغباري
بقلم: سام الغباري
- ارشيف الكاتب


 

 

مذ تسع سنوات تقريبًا، وصلت إلى الرياض، أقلتني طائرة من جازان نحو العاصمة السعودية، شعور الرهبة واكتشاف المدينة المذهلة للمرة الأولى، كانوا طيبون، قلت في نفسي: قد تكون دماثة الخُلق مصطنعة للمسافرين - ولم تزل في وعيي تلك الصورة الغريبة المغرورة عن أهل المملكة !، كان الوقت ضحى، وثمة زحام كثيف عند دورات المياه بإتجاه واحد نحو الصلاة، ولم أجد من يضربهم بالسوط لفعل ذلك !

في أيامي الأولى، بدأت التعرف على الوجوه والأماكن، كانت الحرارة في مستوى قياسي لا يطاق، إنها أشهر القيظ، بالكاد أستطيع عبور الشارع الفرعي نحو مسجد الحيّ فرارًا من لسعات الشمس الملتهبة، فيبدو مزدحمًا، في الفجر، عند الظهر، وكل الصلوات تقريبًا

غالب المصلين من الشباب، والفتية برفقة دافئة مع آبائهم، وفي الناحية الأخرى تشهد كثافة خروج نسوة من مصلى النساء

مرت السنوات، وتُرك أمر اغلاق المحال التجارية عند الأذان والصلاة على رغبة المالك، ووصلتني رسالة تقول: لن يصلي منهم أحد!، وتعجبت لأمره، نهرته، فتحداني، وقبلت تحديه، وجُعِلت كل ليلة أصور له مدى المصلين باتساع مساجد السعودية التي يعرفها الجميع

في الحيّ الذي أسكنه، ويسكنني، مسجدٌ يبلغ عرضه ستين مترًا، وعند صلاة فجر كل يوم يزدحم بثلاثة صفوف وأربعة وخمسة، جلّهم من سكان الحيّ، هناك تعرفت إلى كثير منهم، وقد نصحت رجلًا جاء حديثًا إلى المملكة بث لي ملاحظة عدم معرفة جيرانه، قلت له باسمًا: تجدهم في المساجد، هناك تتعرف إليهم، فإن لم تكن من أهل المساجد سيصعب عليك رؤيتهم

بحلول رمضان المبارك، ترى في كل مسجد بطول المملكة وعرضها، ريفها ومدنها، بلا استثناء موائد الرحمن الخيرية للغادي والرائح، للمقيمين والعُمّال والسائرين، انفاق غير طبيعي لا يراه الإعلام الغاضب

ذات يوم غامرت بالذهاب إلى #البوليفارد، قطعت مسافة طويلة من شقتي المتواضعة نحو عالم مدهش من الترفيه والجمال والتنوع، صخب الأنوار المتلألئة أحال ليل ذلك اليوم إلى ألف شمس ساطعة، وجاء أوان العشاء، أذّن المؤذن بصوت جميل، وكأن ثمة طيف سحري ذهب بالحاضرين سراعًا نحو مساجد البوليفارد المتعددة، حتى كادت الطرقات تخلو منهم

في كل مسجد بالسعودية، تجد أكثر من ثلاجة طافحة بالمياه المعدنية المجانية، وبعضها تزدان فيه صواني التمر الفاخر، وتكاد المملكة البلد الوحيد الذي تُفتح فيه المساجد الكبيرة بإتصال بين صلاتي الفجر حتى الضحى، ومن المغرب حتى العشاء

ولأن الساخرين لا يكفون عن السؤال والتندر، بادرني سائل ساخر بالقول: لماذا يندر في السعودية اكتشاف أصوات فنية جديدة وواعدة تثري الساحة الفنية ؟ كانت الإجابة حاضرة، إذ صارت مادة للنقاش في مجموعة بإحدى وسائل التواصل الاجتماعي، ومفادها كالآتي "هل تعلم عزيزي السائل المتحفز للنيل من المملكة في كل شاردة وواردة أن عدد المساجد في المملكة قرابة مئة ألف مسجد، بخلاف مصليات المولات ومجمعات محطات الوقود !
قاطعني السائل بخبث : ما شأن المساجد بما سألتك ؟
- أصبر يا فتى، فصمت، واستطردت قائلًا: يحرص مالكو تلك المساجد على أن يكون إمام ومؤذن مسجدهم صاحب صوت جميل، وحافظًا للقرآن ومتفقه في الدين بالقدر الملائم، ذلك يعني أن ٩٠ بالمئة من أصوات المملكة الجميلة مشغولون في جلب المزيد من الناس إلى المساجد والتأثير عليهم بُحسن أصواتهم ونغمها الفياض

سكن السائل كالليل، وعقّب بعد يوم أو بعض يوم، قائلًا: لِمَ لا يقولون لنا هذا؟ كان سؤاله حقيقيًا، وقد حاولت الإجابة بأنه لا يريد البحث عن مواطن الجمال والرقي والتقى الغامر بأهل المملكة، لكنه لم يقتنع برأيي.

كل عام ومملكتنا الجميلة بأصواتها ومساجدها وعُمرانها وقيادتها ومقدساتها وشبابها ومواطن ترفيهها وطيبة أهلها بألف خير وسلامة