هناك واقع يدركه الحوثي جيداً، أن رصيده الداخلي في دغدغة عواطف الشارع السياسي، بخطاب العدل ومكافحة الفساد والحفاظ على حقوق وحريات المواطن، قد أستنفذ على أرضية واقع أنتج فساداً ملفوفاً بالتدين ، وتدميراً للحقوق بإسم مواجهة العدوان كأولوية ، وإفقار ممنهج وغياب شنيع للعدالة الإجتماعية. الحوثي لم تعد جبهته الداخلية بذاك التماسك ،وقاعدته الشعبية الموالية لم تعد هي الأُخرى بذاك الإتساع ، وبات الفرز الموضوعي يتبلور اكثر ويأخذ طابعه النهائي، بين قلة مغتصبة لكل شيء، المال العام والوظيفة العامة والحكم والوصاية حتى على السماء ، وأغلبية منزوع عنها كل شيء، وأن سلاماً هشاً كهذا الذي جمد جبهة الحرب مع الجوار، قد أرتد على الحوثي وبالاً ، وباتت أسئلة الناس تلاحقه على هيئة حكم إدانة ،بعد أن تم إرجاء كل الإستحقاقات إلى مابعد الحرب ،وحين صمتت المدافع وجد نفسه وجهاً لوجه أمام المطالب الشعبية المتنامية، محشوراً في أضيق زاوية كسلطة أمر واقع منوط بها تحقيق تلك المطالب من موقع الدولة حتى وإن كانت مختطفة. مرة أُخرى يعود الحوثي إلى مبتدأه ،حيث صناعة العدو حرفته الأصلية طوق نجاة له ، فهو يستثمر دعائياً في فلسطين، وينهب آخر ماتبقى من كسرة خبز فقير ،وآخر رقعة لمعوز يعيش دون خط الفقر، وبالتزامن مع هذا يشتغل الحوثي على تقديم بطاقة دعوة لخصمه الحدودي المجاور ، لإلغاء التهدئة والعودة لمربع التصعيد. ومع كل هذا يعرف الحوثي أن مقتله ليس الخارج ،بل الداخل الذي يتململ وإن بصمت مسموع ،تململ قابل للإنفجار وسحب البساط من تحت أقدام بقاء الحوثي حاكماً. وكخطوات إستباقية ينفتح الحوثي على القوى السياسية التي يرى فيها داعماً محتملاً لحراك شعبي قادم ضده ، ينفتح على المؤتمر في صنعاء ويوسع علاقاته التنسيقية مع الإخوان ،وعينه على خطر ربما يأتيه من حيث أعتقد أنه مأمنه ، وحصن حكمه الحصين :طوق صنعاء حيث للمكون القبلي للمؤتمر نفوذ لم يتم تجريفه بالكامل بعد. إستدعاء الخارج بمغامرات محسوبة سياسياً ، وإعادة بناء تحالفاته مع بعض أحزاب الداخل ، يستوجب بالمقابل من الطرف الآخر أي معارضيه ، وضع آلية تحرك ينمي التململ الإجتماعي ،بالدعم الحقيقي وليس بالإستثمار المالي والنهب بإسم ميزانيات للمقاومة ، دعم يدفع بالإحتقان إلى خط اللاعودة ، حيث يصبح معه الحوثي مجرد إنقطاعاً مؤقتاً عن التاريخ، غير قابل لإعادة إستنساخه ثانية وإستيلاده تحت أي مسميات كان . خلال سنوات تسع مروعة ،نستطيع أن نقول لقد تعلم هذا الشعب الدرس.