آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36ص

كيف نقف مع إخواننا في فلسطين ؟!

الخميس - 26 أكتوبر 2023 - الساعة 04:18 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


يسأل البعض في تحمّسٍ وحرقةٍ عن "كيف نقف مع إخواننا الفلسطينيين" وبعضهم يستفسر عن إمكانية الذهاب إلى غزة، وبغض النظر عن جدية الأسئلة في غاية طرحها من عدمها إلا أنّ هناك تعاطف شديد وتضامن كبير مع الفلسطينيين؛ كونهم يعيشون في مظلومية لها أكثر من 70 سنة دون حلٍ عادل، وهذه المشاعر تعبر عن الفطرة الإنسانية السليمة التي جُبِل عليها الإنسان.
إنّ الوقوف مع المظلوم أيٍّا كانت ديانته أو عرقيته وانتماؤه لهو واجبٌ على كل إنسان، واجبٌ مقدسٌ لازم أوجبته قوانين الأرض وفرضته شرائع السماء؛ ومن هذا المنطلق فالوقوف مع إخواننا في فلسطين يقع ضمن هذا ؛ حيث إنهم مظلمون بشكلٍ مأساوي، ممنوعون عن حقوقهم كباقي الشعوب والتي أبسطها وأكثرها أهميةً الأرض، لقد وقع إخواننا الفلسطينيون ضحية إجرام متفقٍ عليهِ بين اليهود الصهاينة والصليبيين الإنجليز، تمثل ذلك بإصدار وزير الخارجية البريطاني اللعين اللورد بلفور 1917 وعدًا ألعن منه يتعهد فيه بتوطين اليهود في فلسطين؛ على أساسٍ هشٍّ وفكرةٍ بالغة السماجة، مفادها أنّ فلسطين أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض! وكم تحوي هذه العبارة من كمٍ فضيعٍ من السخافة الهابطة! إذا كيف لك لهذا المفتري الوقح أن يدّعي أنها أرض بلا شعب بينما شعبها يقاوم الانجليز وبعدهم الصهاينة منذ بداية احتلالهم هذه الأرض إلى هذه اللحظة! عشرات السنين يحاولون أن يطردوا شعبها منها بالدم والحديد والبارود وارتكاب المجازر والمذابح ومع ذلك لم يستطيعوا! كيف لهم أن يجرؤوا على إنكار وجودِ شعبٍ هو من أقوى الشعوب على مستوى العالم وحضارته ضاربةٌ في أعماق التأريخ وفيهم أقدم المدن المصنفة تاريخياً! إنّ هذا لا يدًل إلا على انحطاطٍ أخلاقي ممتزجٍ بغباءٍ مستعصٍ عن العلاج.
ومن هنا فإنّ الوقوف مع الفلسطينيين في قضيتهم هو واجبٌ على كل إنسانٍ حرٍّ شريف، وأكثر من ذلك على كل عربي ومسلم، كونها ذات أبعاد عقائدية وعرقية كما حوّرها الصهاينة بذاتهم، ولا حياد في الصراع بين الحق والباطل، فمن لم ينصر الحق فعلاً فقد خذلَهُ موقفاً، وهو بذلك لا يقل عن دعم الباطل في سكوتِه كونه تشريعاً له على أنّه شيء طبيعي وليس منكراً دخيلاً على الفطرة السوية وضاراً بالبشرية..
ومن هنا نستنتج بكل بساطة أنّه لا عذر مطلقاً لأيّ إنسان في معركة الحق والباطل، وليس مطلوباً الذهاب إلى غزة كون ذلك أقرب إلى الاستحالة في ظل حكام عرب موظفون لدى الكيان الصهيوني الذي أوصلهم إلى الكراسي مقابل تعهدهم بخدمته وحمايته، لكن ذلك لا يعد الموقف الوحيد، فهناك مواقف عديدة لعلّ أبسطها على من عجز عجزاً حقيقياً هو أن ينكر باطل المعتدين وألا يرضى به.
بالإضافة إلى مواقف كثيرة جيدة يمكن للغالبية من الناس فعلها ولها تأثيرها، منها: 
التجاوب النشط مع المظاهرات والمَسِيرات والوقفات الاحتجاجية والفعاليات التي ترفض هذا الظلم وتُشَهّر بإنكاره وتقبيحه.
وكذلك النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلالها بنشر كلّ ما يدافع عن القضية الفلسطينية ويهاجم إجرام الاحتلال الصهيوني وداعميه من قوى الإفساد الظالمة بصورةٍ نشطة إلى درجة التفاعل مع المواد المنشورة كتعبيرات الإعجاب بالتي تُلهِب مشاعر الجمهور ضد الغاصبين، والحزن مع التي تنشر مأساة الفلسطينيين، والغضب مع التي توضح مدى وحشية المجرمين وتشدقهم بإجرامهم دون أدنى حياء أو إنسانية، وكذلك كتابة التعليقات المناسبة لكل هذه المواد المنشورة بما يرسّخ القضية في الأذهان ويمنع حالة التسرب الفكري المتخلي عنها، ولهذه المواقف المذكورة سالفاً خصوصاً المظاهرات والفعاليات الشعبية الغاضبة دور كبير ومهم لا يُستغنى عنه في تكوين "رأي عام" قوي يشكل ضغطاً على صانعي القرار والذين بدورهم سيلجأون إلى العمل على وقف تلك الممارسات البشعة في حق الأبرياء أصحاب الأرض والحقوق.
إنّ الوقوف مع القضية الفلسطينية باعتبارها محور القضايا التي تجسّد الصراع الواضح بين الحق والباطل لهو فرضُ عينٍ وواجبٌ ملزمٌ لا يسقط عن أيٍّ كان، وبالإضافة إلى المواقف السابقة هناك مواقفٌ أخرى تؤازرها وتصب في محيطها وهي مهمة وواجبة كمقاطعة منتجات الكيان الصهيوني ومنتجات الدول الداعمة والبحث عن بدائلَ عنها إن كانت أساسية خصوصاً من الدول الرافضة لهذه الجرائم وكم هو جميل لو اتجهنا إلى الاستغناء عنها بإنتاجها محلياً والعمل الجاد على الاكتفاء الذاتي الممهد للاستقلال الحقيقي وامتلاك القرار، ولا نغفل عن أنّ مقاطعة المنتجات له تأثير اقتصادي كبير على الدول المنتجة، وكذلك أيضاً حذف القنوات الإعلامية التي تتعامل في بث الأخبار بميول إلى الصهاينة أو حتى بحيادية وإلغاء متابعتها على منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى كل من يمكنه كتابة مقال أن يكتب، أو نظم قصيدة أن ينظُم، أو حتى وضع حالات داعمة للقضية وكذلك تغيير صور الواجهة في مواقع التواصل إلى ما يشير إلى التضامن مع الفلسطينيين ضد العدو القاتل، على كل من يمكنه فعل ذلك أن يفعل، ولا نغفل أيضاً عن ضرورة إجادة استخدام الألفاظ بشكل دقيق كالامتناع عن لفظ "إسرائيل" واستخدام "الكيان الصهيوني الغاصب" بديلاً عنه، وكذلك عدم قول المعركة بين "إسرائيل وحماس" بل بين "الصهاينة المعتدين والمقاومة الفلسطينية"، ولفظ "القتال" بدلاً من "الصراع" الذي يوحي بتكافؤ الحقوق، واستخدام لفظ "الاستسلام" عوضاً عن "التطبيع"، وكذلك عدم الترويج لقوات العدو عبر تصويرها بأنها خارقة لا تُقهر بل الحطّ من شأنها لأنّها قائمة على أسس باطلة وليست شيء أمام قوة المؤمنين بربهم وبحقوقهم، وكذلك تعليم النشء والأطفال حقيقة القتال هناك بأنّه بين مجاهدين يدافعون عن الدين والأرض والعرض وكل الحقوق من جهة، والصهاينة المحتلين للأرض الظالمين المعتدين المدعومين من الغرب الصليبيين من جهة أخرى، وعلينا ألا ننسى شيئاً مهماً جداً ألا وهو الدعاء الصادق لهم فالدعاء إن ارتبط بالإخلاص والعمل الميداني مثمر جداً بإذن الله تعالى، 
فعليك أيها الحرّ ألا تستحقر موقفاً لك مهما كان بسيطًا في دعم الحق وإنكار الباطل، وأن تسعى للمبادرة إلى كل ما يمكنك فعله من الأدوار المهمة، وإذا وجدت شخصاً جاهلاً واقفاً في الموقف الخطأ فتصدق عليه بتوضيح الأمور له على حقيقتها وأرشده إلى ذلك، وكذلك إذا أنصدمت   بمُتصهينٍ عربي يبرر مقتل الأبرياء ويسوّغ للقتلة المحتلين جرائمهم دون حياءٍ فتكرّم على وجهه اللئيم بكَفٍّ من يدِك المباركة -إن كنتَ في موقفٍ يسمح لك بذلك، وإن لم تستطع فلا تبخل عليه ببصقة أو نُخَّامة تليق بهِ؛ فالبخل -كما هو معروف- صفة ذميمة خصوصاً عن ميادين الخير، إلا أنّهُ لا سفالة توازي سفالة التشفّي بدمّ الأبرياء ونذالة التنقيب عمّا يبرر لكيانٍ غاصب قامت أسسه على لحوم ودماء وعظام ضحاياه المظلومين.
وفي الختام إنّ هذه المواقف هي بعض إن لم تكن كل التي يمكنها التأثير بشكلٍ يصبّ في محيط إنكار الباطل الصهيوني والتعجيل بزواله، وإن كنت ترى مواقف أخرى هي أهم وأكثر تأثيراً فعليك بها أو حُث عليها من يستطيع القيام بها. وإذا تراكمت كل هذا المواقف من قِبَل أكبر قدر ممكن من الناس فستُحدث تغييراً إيجابياً يلعب دوره بشكل كبير في الحدّ من غطرسة الإجرام والتوجه به تدريجياً إلى موته المحتوم كونه لا بقاء لباطل مهما طال واستقوى، والأخطر من الباطل التطبيع معه كأنّه شيءٌ عادي، وهذا ما يدفعه إلى الجرأة في مواصلة إجرامه إلى أن يقع الجميع في قبضته بشكلٍ لا يمكن لهم أن يصدوه أو يرفضوه، ومن هنا فعلينا أن ندافع عن كل قضية ونجتهد إلى أن نقف في الموقف الصحيح ونفعل أقصى ما يمكننا فعله مهما قلّ أو بدا هيّنا، ولا نستمع إلى المخذّلين "الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين والذين لا يجدّون إلا جُهدَهم" وعدم الاكتراث باستهزائهم وسخريّتهم، فهؤلاء موظفون بشكلٍ غير مباشر لمصلحة قوى الشرّ والإجرام، وهكذا ينبغي لنا بوعيٍ وإدراك الوقوف مع أنفسنا بشكلٍ جَمعي، من خلال مناصرة القضايا العادلة وعلى رأسها كما أسلفنا القضية الفلسطينية، كونها أهم قضية عالمية على كافة المستويات، قضيةٌ مِيزَ بها العبيد من الأحرار، والمنافقون من الصادقين، وهي بحقٍّ كما قيل "قضية الشرفاء" والشرفاء فقط.