آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-01:37ص

على شاطئ المتوسط

الثلاثاء - 24 أكتوبر 2023 - الساعة 10:42 م

عبدالسلام القيسي
بقلم: عبدالسلام القيسي
- ارشيف الكاتب


على شاطئ المتوسط بدأ كل شيء، 
الاعراق
اللغات
الديانات
وتشكلت الامبراطوريات والدول القومية والوطنية وأنبثقت منه الحقائق والاساطير والكلمة الأولى ولا زالت هي كلمة الله السائدة،باسم اليهود والمسيح والاسلام، وبدأت فيه الحياة وفيه تنتهي، على حواف البحر الأبيض انشطرت الثقافة الواحدة الى ثقافات واللغة الواحدة الى لغات والدولة الواحدة الى دول والدين الواحد الى أديان وتدافعت فيه ذوات العصور، وحضاراته
هناك الفكرة والنقيض والشيء وشبيهه فالرومان واليونان والسريان والسلافيين والفراعين والأمازيغ والأفارقة والبيض والسود والحمر والعرب والعجم والكرد والترك والشام وما يليه، والقدس وأم الأقداس، هرقل ودارا، عيسى ومحمد، روما وبيزنطة، بابل وقبرص، وطروادة واسبرطة، صور وقرطاجنة، الفينيق والوندال، الغال والأسبان، القاهرة ودمشق، السلاجقة والتتر، العثماني والأوروبي، كل شيء بدأ في حوافه وما اليه،كل شيء منه.

كل صراعات العالم تدور حوله،فهناك نقطة الإرتكاز ولو أخضعت العالم بطوله وعرضه دون المتوسط فأنت مجرد حاشية للعالم والصدر سواك، لذا جر المقدوني جحافله ليخضع الحواف، والساساني والروماني والعربي والكردي والتركي والبريطاني والفرنسي والايطال والهولاند والألمان والروس،والأمريكان، كل الهويات تتقاتل وتنتصر وتغرق في بحر المتوسط ورماله، وكل ملك وسلطان وامبراطور وطاغية لا يشعر بوجوده الا بلقب سلطان البحر والبحر أي المتوسط، فهو المعلم الأول والعصر الأول والحكيم الأول والتأريخ الأول والقصر الأول والقبر الأول والأمبراطور والضحية الأول
فيه كانت اول فكرة فيلسوف وأول بيت شعر،وأول ملحمة حرب وفيه نست أم أخيليوس أن تغمس كعب ولدها الذي مات بسهم على أسوار طروادة، وضاع فيه ملك ايثاكا ومات فيه اباطرة وملوك وخلائف وسلاطين،فيه أشرعت أول سفينة وطار الفينيقي وكان أول اسطول وأطلقت أول قذيفة نار وبارود وعندما ضاق البحر من الأمم المتكالبة فيه وعليه أخذ نفسا عميقا فأفسح مضيق طارق، وساح الى بحر مات وبحر أحمر،وبحر مظلم، تقيأ وعثاء الدهور فقط،فكانت منه البحار، والمضايق،والدول.
لم يجد العربي نفسه والذي بدأ في بادية العرب الا باخضاعه المتوسط، الشام ومصر،القسطنطنية وقسنطينة،القدس وطليلطة، دمشق وصقلية، والتربة المقدسة لغة الذهاب والمجيء، ساد الأوروبي وأتى باحثا عن حافة المتوسط ثم ساد العربي وذهب باحثا عن حافته،وكل من ساد.
في سوق القاهرة تلتقي كل الأعراق والألوان والأديان والطبائع، في البندقية تمتزج كل الأفكار والضحكات والفلسفات والمطامع،
نحن لا نشعر بوجودنا الا في الضفة الأخرى من المتوسط، وتلك الضفة تشعر بوجودها فقط عندنا، سلام أو حرب، المهم التواجد،

لم نذهب لنقل للصين : هانحن هنا
لم يذهب نابليون ليقول للهند هانحن هنا، وهكذا فعلوا، والمارون بين القرن والقرن مروا الينا ومنا عبروا، فنحن واحد، مهما تقاتلنا والمتوسط مجمع الأحبة ومفترق الأحبة، الحكمة والنقمة، النصر والهزيمة والتيجان والقيود، النهايات السعيدة والتعيسة،أحلام تعالت وأمنيات فاشلة، وجند وفرسان وعساكر وغواصات، أساطيل قديمة وبوارج وسهام وبنادق، ومن القدس والى القدس، من اليرموك الى الريدانية، ومن مرج حليمة الى مرج دابق،واسطنبول وغرناطة،كل جمال منه وفيه،وما كوارث العالم الا لأجله وشأنه.
غادر يثرب ببز خشن وتحول معاوية في سوريا الى قيصر،سقط الأموي في ضفة واستعاد نفسه بالأخرى، لم تكفه مقدونيا وانتسخها الأسكندر في مصر،هناك حيث آلاف الملوك تدافعوا منذ أول الخليقة 
وتدافعت صلبان وأهلة وتصادمت مساجد وكنائس، ومات الجميع بأحلامهم به، ولا زالوا يحلمون من أطراف العالم به،الصين والإمريكان والروس، وسيدفنهم المتوسط ويرقص،سوف يختال على جثث الكبار الذين ضاعوا في البحر وأبيض الماء من لحاهم البيضاء الحالمة،ودهور التعب
وسيبقى المتوسط لأهله في الضفتين حقائق،وأساطير،فله الياذته كل عصر وأوديسته ولياليه الألف، وألف.