آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:20ص

"مواقف تجاه فلسطين.. تضحكني إلى حدّ البكاء"

الأربعاء - 11 أكتوبر 2023 - الساعة 08:44 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


بينما "غزة" تحترق بنيران العدو الصهيوني الغاشم، التي تلتهم الأطفال والنساء والشيوخ، وتهدم المباني على رؤوس ساكنيها وما زالت حتى اللحظة، بينما كل هذه الانتهاكات الإجرامية المتجاوزةِ كلَّ عُرف ودين، هناك من المتصهينين العرب الخفيّين تجدهم عمّا يجري من مذابح عدوانية في غاية البشاعة تجاه من يمكن أن نسميهم إخوتهم، ساكتين وغير مبالاين ولو بمجرّد منشورٍ كأدنى الواجبات، ذريعتُهم "أنّنا لن نستطيع تغيير شيء"، بينما هم غير مطالَبين بتغيير الواقع وإنّما -على الأقلّ- بإظهار التضامن مع القضية الإنسانية المحورية والمصيرية، فقط لا أكثر، وهم الذين تلفاهم في مواضيع أخرى قلّما يمسكون أنفسهم، وفي الزمرة ذاتها صنفٌ آخر إلا أنّهم صريحون في مرضِهم إلى حدٍ ما، فتجدهم يتباكون بطريقة بهلوانية على ضحايا الصهاينة! مع أنّهم محتلّون معتدون غاصبون مرتكبون ما لا يحصى من الجرائم تجاه الشعب المظلوم صاحب الأرض الحقيقي! 

يضحكني إلى حدّ البكاء هؤلاء الناس الذين تجدهم في أسمائهم ومُسمّياتهم عرباً ومسلمين، لكنّ مواقفهم - بما تحمله في طويتها- لا تمتّ إلى روح العروبة والإسلام بصلة، وكان الأولى بهم -ولو من باب الإنسانية المجرّدة من الانتماء الديني والعرقي- أن يحكموا بالإنصاف، وألا يساووا بين المعتدي الغاصب والمُعتدَى عليه المدافع عن أرضه وحقه في الحياةِ والوجود.

يُضحكني إلى حدّ البكاء المرير مواقف قنواتٍ محسوبةٍ على أنّها عربية الانتماء، بينما هي تعادل بين الضحيّة والجلّاد، بين الجاني والمجني عليه، بين المجرم والبريء، ومن هنا فقد انكشفت عِبريّتُها بين الكلّ، وانفضحت بخزي مواقفِها أمامَ الجميع.

يُضحكني إلى حدّ البكاء مواقف قنواتٍ أخرى تُغرّد خارج السرب، كلُّ مواضيع برامجها تافهة، مهتمةٌ بشخصيات مهرّجة في "التيك توك" ومخصصةً حلقات كاملة لشأن كهذا! لا يعنيها ما يحدث في غزة من قتلٍ وتدميرٍ ممنهجٍ لشعبٍ شقيقٍ مظلومٍ وبريء، ليس له ذنبٌ سوى أنّه مستمسكٌ بحقّهِ كشجرة الزيتون التي تتشبث جذورها في أعماق الأرض وأغوار التاريخ، عصيةٌ أغصانُها على القطع وأكثر من هذا استعصاءُ جذورِها على أوهام الاجتثاث.

يُضحكني إلى حدّ البكاء مواقفِ شخصياتٍ صحفية وإعلامية وثقافية متمكنةٍ في ميادين الحرف والقلم، طالما نعقت بمواضيع هي دون هذا الشأن بكثير، فمنهم من لم تسمع له صوتا، ومنهم من يكتب عن مواضيع فلسفية مضحكة، ومنهم من هو مشغولٌ بأخبار المغنّين، وكلهم بعيدون بإرادة أنفسهم وجُبن ضمائرهم عن الواقع، منغمسون في مستنقعات اللهو وأوحال النفاق.

وأكثر من كلّ ما مضى أنّه يُبكيني ولا يُضحكني أبداً مواقفُ بعض حكام أمتنا الذين فاجئونا بأنّهم مَلَكيّون أكثر من الملك نفسه، حيثُ ناصروا العدوّ على الشقيق! وأدانوا الجُثث التي تتناثر منذ عقود إلى أشلاءٍ مضرّجةٍ بالدماء! وتضامنوا بكلّ انعدام للحياء والإنسانية مع القاتل العدواني ضد المقتول البريء! ولا يقلُّ عن دورهم المخزي مواقف علماء من أمتنا يرون العلم والدين في الخوض بالشكليات والتحدث عن القشور! في وقتٍ تواجه فيه أمتُّهم ودينُهم حملاتٍ غاشمةً لاستئصالها من قِبل قوىً يهوديةٍ متغطرسة وصليبيةٍ متصهينة، متحالفةٍ فيما بينها ومتمردةٍ عن قيم الحقّ والعدلِ والانسانية، يقودها حاخامات اليهود وباباوات النصارى، بينما كثيرٌ من علمائنا، غائبون عن واجباتهم المفروضة عليهم المتمثلة بإعلان النفير تجاهَ أعداء الأمة الذين يتساقطون قلعةً تلو أخرى، بدأوا بالثور الأبيض وهاهم في طريقهم حتى يصلوا إلى الثور الأحمر الخائن والمنبطح، علماءٌ مشغولون عن خطورة الأمر بالتفكير في كيفية الخروج بمحاضرات عن لبس الثوب القصير والقبّعة وكيفية القبض على المسِواك بطريقة احترافية، ويتنطّعون في مواضيع التسامح والروحانية وعن أخلاق الحبيب المصطفى ورحمته، يختزلون الدين في عُودِ سواكٍ في ظرفٍ تحتاج الأمة إلى فِرِند السيف!! .. وفي رحمة النبي وإنسانيته في ظروفٍ تحتاج فيها الأمةِ إلى جهاده ودفاعه وغزواته ومعاركه التي انتصرت لضعف المظلومين من غطرسةِ الظالمين، يسكتون عن الصدع بالحقّ خوفاً من الباطل، ويكتمون ما أخذه الله مثياقاً منهم على أن يُبيننه للناس ولا يكتمونه، فسقطوا في امتحان التمحيص شرّ سقوط.

إنّ هؤلاء بمواقفهم العجيبة مضحكون بتلك الطريقة التي توافق المقولة الشهيرة "شرُّ البريةِ ما يُضحِك"، إلا أنّه -رغم كل ذلك- يسعدني أنّ مَن قال في أوائلهم من أذناب النفاق ﴿ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ...﴾، أنّه مطلعٌ على كلّ شيء، ولن يترك عباده المستضعَفين وحدهم أمام بغي جنود الفرعون وبطش وحوش النمرود، وبهِ سينتصر سموّ الخير على دناءة الشر، وكرامةُ رجالِ الحقّ على الغرورِ الشوفيني لأذنابِ الباطل، وكفى بهِ ربّنا ناصراً ومعينا.