آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-12:51م

الشهيد جمعان.. رسالةُ العِلم الخالدة

الأحد - 01 أكتوبر 2023 - الساعة 05:38 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


شابٌّ في منتصف العشرينات من عمره، والابن الوحيد لأبوَيه بعد سبع بنات على التوالي، كان على بُعد أيامٍ من حفل تخرجه وأسابيعَ من احتفال عرسه، إلا أنّ رصاصةَ الجهل أصرّت على أن تخترق صدره المشع بنور العلم محاولةً أن تطفئه، لكن حاشا للجهل أن يحيا وللعلم أن يموت.

جمعان السامعي شهيد العلم والاحترام، طالب طب بشري في سنة الامتياز بجامعة ذمار، وقُبيل حفل تخرجه بأيام وبينما هو مدوام في إحدى مستشفيات المدينة، أتاه أحد شياطين السلالة الخبيثة ودخل معه في نقاش اسنتقاصٍ منه وتنمُّرٍ عليه؛ لأنه من تعز؛ وعندما واصل حملة كلامه البذيء دون توقف هجم عليه جمعان ليرد عليه ذلك المجرم السلالي بكل جبنٍ ووضاعةٍ بإطلاق رصاصةٍ اخترقت صدرَه الطاهر. 

إن هذا باختصار يؤكد لنا مدى بشاعة هذا النظام الكهنوتي البغيض الذي تريد أن تثبِّته سلالة القتل والإجرام على رؤوس وصدور اليمنيين.

لم يكن جمعان الأول ولن يكون الأخير، مادامت هذه القوى الإبليسية متمكنةً وفي يديها دولةٌ مسلوبة، ذات صلاحياتٍ مطلقة ونفوذٍ يتجاوز قوانين الأرض وشرائع السماء، إنه لحريٌّ بنا أن نجعل من كلٍ منّا "جمعان" ذلك الشاب المتعلم المشهود له من أقرانه ومعاريفه بالالتزام والاحترام، الرافض للضيم والمترفع عن الرضوخ للانتقاص، وأن نهجم على تلك العصابة المتغطرسة بقوة السلاح لنجردها منه ثم نحكم به عليها بالقصاص العادل المنتهي بإعدامها وتخليص الوطن من شرّها.

إن جمعان الكريم ابن الأكارم برفضه استحقار الحقير له صار رمزاً وطنياً للعلم والعدل والحرية والكرامة، رمزاً تشع أنوار العلم منه وكلُّ خيطٍ من تلك الشعاع هو حبل سيلتف حول رقبة الكهنوت لينتهي بخنقه حتى القضاء عليه.

إنه لمؤلم جداً أن تكون ملتزماً بعملك ماشيًا في طريقك بعد حالك ثم يأتيك كائنٌ شيطاني على هيئة بشر، بينما هو كتلةٌ من الشر والخبث، يأتيك ليقوم باستفزازك ومحاولة استحقارك والحط منك دون توقف منتظراً أن تتحرك كرامتك الرافضة لكل هذا فيبادر باختطاف روحك البريئة. 

إن القصاصَ وحده لا يكفي، فلا مساواة بين القاتل والشهيد بقدر ألا مساواة بين نورالعلم وظلام الجهل، مع أن القصاصَ إن كان فهو ليس إلا محاولةً لامتصاص غضب الرأي العام ضدهم، وقد لا يكون ولن يُنفّذ لأنّ هناك قانوناً معمولًا به بصورةٍ غير رسمية واضحة، وهو أنه لا يمكن مساواة السيد بالقبيلي العبد، إننا في حقيقة الأمر في دولة يسودها نظام الطبقات الاجتماعية يتربع في أعلاها ذلك السيد البرهمي وبنو سلالته، الذين لو أبادوا بقية الطبقات لما أُثِموا على ذلك، فهي لم تخلق -حسب ادعائهم- إلا لخدمتهم، إنهم حظُّ أمة محمدٍ من اليهود الذين يفترون على الله ورسوله ما لم يقولوه.

يحتقر ذلك القاتل الوضيع جمعان لأنّه من تعز! يفعل ذلك بكل كِبر مُقيت ينبعثُ من بؤرة الحقارة الذاتية والدناءة النفسية، وكما هو معلوم فإنّه لا يتكبر إلا الناقص الحقير، اما هذا القاتل فقد جمع بين كلٍ من  نقصه وحقارته من جهة، ووجعه وتألمه من مواقف تعز البطولية الناسفة لخرافتهم من جهةٍ أخرى.

تلك المحافظة التي استهانوا بها بقولهم "هي إلا محافظة البناطيل وما لها غير طقم" فإذا بتلك المحافظة التي في علمها السلمي نور يد موسى قد قررت أن تستنفر الخيار الآخر وهو عَصاها الحربية التي فوجئت بها حثالات الكبر الأحمق، وهي تلقف ما يأفكون.

كبّدتهم عشرات الآلاف من القناديل والزنابيل، رغم الفارق الشاسع في العدة والعتاد، وأجبرتهم على أن يعترفوا به ثقباً أسوداً يلتهم جموعهم ومن أتاها عاد صورةً وصندوق. 

ومن متى كان من حق الغراب أن ينتقص من النسر، وهل للضبع أن يقلل من شأن الأسد؟! إن تعز أسمى من كل وضيع دنيء، فلا لنُباح كلبٍ أن يحرك حجرةً في قلعة القاهرة الأبية، ولا بمقدور جروٍ أن يهز ذرةً من جبل صبر الشموخ!

إن جمعان بشهادته الأبية وبقضيته العادلة قد جرّد ميليشيا الظلام من كل ما حاولت أن تدّعيهِ زيفاً وتمويهاً من دعاوي العدل وفرض الأمن و.. إلخ، وأثبت أنها على العكس من ذلك تُخفي للشعب خلف أنياب ابتسامتها الماكرة سماً زعاف. 

إنّه لمؤلمٌ جدًا أن تعيش في وطنٍ ترتع فيه من أمثال هذه الكائنات الطفيلية القاتلة، التي تستمد بقاءها من موت الآخرين، وطنٍ تكالب عليه رخاص النفوس من عبيد الداخل ولئام الخارج، وطنٌ قال أحدُهم عنه، إن لم تتعلم فيهِ قتلك الجهل، وإن تعلمت قتلك الجاهلون.

لكن صبراً فلن يدوم الحال مهما بدا الوضع أنه لن يتغير، فهناك رجالٌ مخلصون لأوطانهم عسى الله أن يحدث بهم بعد ذلك أمرا، وبهم سيستلم القوس باريها ويعود الحقّ إلى مستقرّه، والمياهُ إلى مجاريها، ويُقتصّ من الجهل عبرَ حرقهِ بأشعةِ العلم، 

وهناك يا جمعانُ عهداً إنّنا

نُحيِيكَ رمزَ العلمِ والأخلاقِ.

من بعد أن نقضي على طغيانِهم

فتجفّ عن نَسجِ الرّثاءِ مآقي.

والصُبحُ قريب..