آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36ص

شعب عرطة

الخميس - 28 سبتمبر 2023 - الساعة 05:05 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


شعبٌ يعيشُ في وَطنٍ يمتلك من مقومات وإمكانيات الرخاء المعيشي والازدهار الاقتصادي والتقدم العلمي والتطور المنافس على كافة المجالات ما يؤهله لأن يكون في صدارة الشعوب المتحضرة، وفي أوج مستويات المعيشة عالمياً، إلا أنّهُ على العكس من ذلك وللأسف الشديد يقبعُ في بؤسٍ فضيع، وفقرٍ مدقع، ووضعٍ مأساوي يرثي له كل ذي قلب ولو لم يكن فيه إلا النزر اليسير من الرحمة.
شعبٌ منحوسٌ في وطنٍ مغتصَبٍ تتوزع البلايا على كل بقاع جسده، ناهشةً لحمَه الذي صار مهترئاً جرّاء توالي الأسقام والأوبئة عليهِ، تلك الناتجة عن استشراء الفيروسات الدخيلة فيه.
عدة مكونات عسكرية كلٌ منها تدّعي لنفسها الشرعية الممنوحة شعبياً بينما هي في الواقع ألدّ أعداء الشعب وأخطرهم على حقوقه، بل حارمةً إيّاه أبسط تلك الحقوق من المواد اللازمة للعيش غير الكريم.
وفي مقالي هذا لن أتكلم عن صنعاء وضواحيها، فهي مغتصبةٌ من قبل مليشيات كهنوتية ظلامية ذات رؤية سوداوية حالكة وصريحة في عدائها للشعب واستعبادها له، وأيضاً لن أتكلم عن عدن وما يحيط بها، فهي أيضاً محتلة من قبل مليشيات مناطقية تدّعي المطالبة بالحقوق، بينما هي مجرد أدوات رخيصة لتنفيذ أجندات خارجية، ولن أتكلم أيضاً عن المخا وما حاذاها، فهي بيد أحد الذين باعوا صنعاء وسلموا الوطن لميليشيات الظلام وقاتل معهم كعبدٍ مخلِصٍ لأسياده، والآن هاهو يريد أن يصبح بطلاً وطنياً هكذا فجأة دون أيّ حياءٍ أو خجل، بينما هو روبوت لا يجرؤ على أن يرد لأسياده الجدد من الشخابيط والطحَانين أصغر أمر، وقد حصل أن باغتته لحظة شجاعة اعترف بهذا، ولا أدري كيف سولت له نفسه الاعتراف! ربما داهمته نوبة صرع فظل يهذي دون وعيٍ بحقيقةٍ طالما رغب بإخفائها، ورفض الاقتناع بها أتباعه الذين هم على شاكلته. 
لن أتكلم عن كل هذه القوى المليشاوية التي تسيطر على ما تحت يديها باعتبارها سلطات أمرٍ واقع، بل سأتكلم عن الشرعية الحقيقة مع تجريدي إيّاها من المنزوين تحتها بكذبة التوافق، إنها شرعية مؤسسة الرئاسة ممثلةً برشاد العليمي، وموسسة الحكومة ممثلةً بمعين عبدالملك، ومؤسسة مجلس النواب ممثلةً بسلطان البركاني، هولاء هم أول من يتحمل المسؤولية الكاملة، ولا أقصد بتحمل المسؤولية سوى تحمل توجيه الأسئلة الحارقة لقلب المواطن إليهم جراء بيعهم له وأكلهم للقمة صلبه، أما بقصد الحساب والجزاء فهذا مستبعدٌ في واقع وطننا، وقول ذلك نكتةٌ تثيرُ الضحك، وما أمَرّهُ من ضحك.
كان في أول الأمر يُوجَّه كلُّ اللوم على هادي وعلي محسن، "الدنبوع وبلسن" كما يحلو لمناوئيهما من مختلف المكونات تسميتها، أما الآن وقد جرى التخلص منهم، وتمكن الأبطال الجدد لأصحاب الحملات السابقة التي تريد دولة من التحكم بأهم وأعلى مؤسسات الدولة، وعلى رأسهم فارس أحلامهم رشاد العليمي، ذاك المخلص المنتظر الذي دبجوا فيه القصائد ونسجوا عنه المقالات وهللوا بمجيئه وزغردوا وو.. إلخ.
ثم ماذا! 
سلمتا محافظتا أبين وشبوة للانتقالي ورفعت فيهما أعلام الانفصال وأُهين العلم الوطني دوساً بالأقدام، ومؤخراً بيعت شركة الاتصالات اليمنية التي تمثل إحدى ثوابت الوطن لما لها من ارتباط بالأمن القومي اليمني، وفي الجانب الاقتصادي تدهور الوضع إلى شكل أشد سوءاً، بينما لم يكلف نفسه ذلك الدانق المتعجرف أن يسأل نفسه سراً لماذا يفعلون كل هذا بنا ونحن نظن بهم الخير وطالما دافعنا عنهم واستبشرنا بهم؟! 
لا لن يسأل! بل لن يخطر ذلك على باله! فالأهم هو تغيير هادي و"بلسن"، والبديل مش ضروري يكون سكر وإلا عسل، عادي حتى بصل، أهم حاجة يتغير العدس! قضيتهم ضد العدس ليس إلا ، لذلك فليرحل العدس وليذهب مهما كلف الأمر! 
هكذا هي النوعية التي تبتلى بها الأوطان، ليس لهم أهداف وطنية يسعون إليها، بل معاركهم شخصية بحتة وضيقة خارج نطاق مصلحة الوطن، بل وغالباً تصب في عكس مصلحة الوطن والمواطن! 
يُوَلوِلُون على العليمي الصغير فقط لأنّه...، ويدافعون عن العليمي الكبير الرئيس المفخم صاحب السلطة العليا والصلاحيات الواسعة وذلك "لأنه ماهوش إنه.."، وفي السياق ذاته ينعقون على أدنى مسؤول في تعز، بينما إذا سألتهم عن اسم محافظ تعز المسؤول الأول عما يجري فيها، تجدهم يبلعون ألسنتهم ويفكرون بطريقة أخرى لممارسة فلسفة الفهلوة المحببة إليهم.
وأنا هنا لا أدافع بتاتاً عن أيّ فصيلٍ سياسي وإنما يجب علينا أن نضع النقاط على الحروف ونسمي الأمور بمسمياتها وهذا ما أؤمن بأنني أفعله بكلّ وضوح. 
العليمي الذين يتباهون به صباح مساء تجده في وضح النهار يبيع الجمل بما حمل من محافظات وجزر، بل وصل به الأمر إلى حدّ الزعل من تأكيد بعض الدول في بياناتها على وحدة الأراضي اليمنية!! إي والله.
أما البركاني فطالما وقف ضد تحركات بعض أعضاء البرلمان لإدانة هيمنة الإمارات على سقطرى أو إدانة غارة نقطة العلم التي ذهب ضحيتها أكثر من 300 جندي- هذه كأمثلة فقط، وبخصوص المصيبة الثالثة معين عبدالملك مدلَّل سيده آل جابر فهو لم يقف حتى لمرة واحدة ولو بنصف موقف إلى جانب وطنه وشعبه، أفسد فساداً تعجب له الثقلان من  الإنس والجن، إلا تلك الفئة المفيرسة أعاذ الله الوطن منها وشفاه من أخطارها.. تلك التي لسان حالها "عادي يعملوا اللي شعملوا أهم حاجة ماهمش ..وااان، ولا... حيييين"!!
في صنعاء انتفاضات تحتاج إلى قائد وقاداتنا الذين أجدر بهم أن يقودوا معركتنا في الداخل ويمثلوا قضيتنا في الخارج، هولاء للأسف عن ذلك مشغولون. طيب بأيش مشغولين؟! 
مشغولين في السر بمصالحهم ومصالح أولادهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن والمواطن، هذا في السر، أنا في العلن فمعين عبدالملك مشغول -وفي صفاقة واضحة- بالتحريض على رجل الكلمة الوطنية الصادقة عادل الشجاع ومحاولة تسليمه للانتقالي لتصفيته، والعليمي الرئيس هو الآخر مشغول بالدفاع عن معين والتبشير بأنه "شوهف" بالشجاع لدولة ثالثة وليس لعدن مقابل إنه يسكت، فاطمئنوا، انشغالات عظيمة من أجل إنجازات أكثر عظمة ههههه ، بينما الشعب يحتاج إلى مواقفهم تجاه أحوال المواطن المتردية إلى ما تحت الصفر، وأيضاً إلى مؤازرة التحركات الشعيبة ودعم المنتفضين والإشادة بهم ورفع معنوياتهم، إلا أنهم للأسف مشغولون بمحاربة الشرفاء والتفكير في كيفية التخلص منهم أو إسكاتهم. 
هولاء مصيبة كبيرة بل جسيمة جداً على الوطن عموماً وتعز خصوصاً كونهم من أبنائها التي صارت تُعايرُ بهم، بينما هي محارَبةٌ من قِبلهم، وتقبع -مع علمهم الواضح وتجاهلهم الدنيء- محاصرةً في ظلامٍ دامس وأوضاعٍ مزرية، يا لهم من أبناء عاقّين لأمهم وجدتهم! لا يصدر عنهم إلا قبيح ونتن! بينما يتعجب العجب ذاته من هذه الصفاقة التي هم عليها وأذنابهم من الطبول المرمزة ذات تقنية الجيل السابع من الغباء الاصطناعي.
آخر الأخبار تلك أنقلها إليكم بكل أسىّ وسيتلقاها الوطني بالحزن والغضب، بينما الكائن الفيروسي بالسعادة، أو بالبرود والجمود واللامبالاة في أحسن الأحوال.
"عجزت الحكومة عن توفير 2 مليون دولار لنقل 40 ألف طن من القمح المقدم من بولندا كمساعدات لليمنيين، ومن هنا فقد قررت الحكومة برئاسة معين عبدالملك منح أحد التجار نصف الكمية التي تقدر قيمتها بـ14 مليون دولار مقابل عملية النقل!!"
ومش كذا بس، بل عندما توصل نصف الكمية المخصصة للمواطن اليمني الجائع، فهو مجبرٌ على شراء الكيس الدقيق بـ 40 ألف على الأقل، بينما هو إما من دون راتب أو راتبه مسحوق القيمة الشرائية!
وبعد ذلك ستجد أنّ كثيراً من مواطني هذا الشعب المتلاعب به والمضحوك عليه سيستمر  وبكلّ رعونة في المشي على درب العبودية المبتذلة، بل وسيُضاعف من تشنجاتهِ في الدفاع والذود عن ذوي الفخامة والمعالي! أولئك الأئمة الجمهوريون الأنيقون بالكرفتة والبذلات الرسمية الفخمة التي لو كان الشعب حيًا لجرّدهم منها وألبسهم أزياء السجون لكنّهُ فضّل أن يكونَ الأمرُ كماهو عليه الآن.

حقًا إنهُ شعبٌ عَرطة..
وتستمرّ الحكاية...