لا ينكر أحد ما للمال من أهمية كبيرة تلقي بظلالها على حياة الأفراد والمجتمعات في كل شئون الحياة ، فضرورات الفرد وكمالياته المتنوعة لا تتم إلا بالمال لا بسواه ، وشئون الجماعة المختلفة لا تقوم إلا عليه لا بغيره ، ولذا قيل في المثل :المال عصب الحياة .
قال الحسن البصري رحمه الله :
قرأت في تسعين موضعا من القرآن : أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه ، وقرأت في موضع واحد : ﴿ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ﴾ فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعا وصدقنا الكاذب في موضع واحد .
وعلى مستوى الشعوب فطنت بعض الفئات – وعلى رأسهم اليهود - إلى أهمية المال في تحقيق السيطرة والهيمنة على الآخرين ، فعملوا على أن تكون لهم اليد الطولى على بقية الشعوب في امتلاكه .
ومما يذكر في هذا المجال قول كارل ماركس فيلسوف الشيوعية : إن اليهودي الذي لا يحسب له حساب في فيينا ( عاصمة النمسا ) هو الذي يقرر بقوة المال مصير النمسا كلها ، واليهودي الذي يكون في أصغر الولايات الألمانية محروما من الحقوق هو الذي يقرر مصير أوربا بأجمعها .
وإذا كانت للمال كل هذه الأهمية فليس بغريب أن يحتفي الإسلام به في ذكره في الكتب السماوية ، وهو الدين الذي ينشد القوة والعزة لأتباعه .
يقول رب العزة ، مشيرا إلى أهمية المال : {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} ( النساء : 5 ) .
أي : لا يحصل قيامكم ولا معاشكم إلا به .
قال محمد بن ثور : كان سفيان الثوري يمر بنا ونحن جلوس في المسجد الحرام فيقول : ما يجلسكم ، فنقول : ماذا نصنع ؟ فكان يقول : اطلبوا من فضل الله ولا تكونوا عيالا على المسلمين ، وكان سفيان رحمه الله يعتني بماله ، جاءه يوماً طالب علم يسأله عن مسألة وهو يبيع ويشتري ، وألح في المسألة ، فقال له سفيان : يا هذا اسكت فإن قلبي عند دراهمي ، وكان له ضيعة وكان يقول : لو هذه الضيعة لتمندل لي الملوك .
اشارة إلى أعلاه :
الفقر ليس عيبا ، ولا يحط من قدر صاحبه ومنزلته بين الناس مهما نظروا إليه بنظرة ازدراء أو نقصان ، ولا يدني من شأنه بين قومه وقبيلته بقلة أو بكثرة ، وليس بالضرورة أن يكون الفقير تعيسا أو بائسا لأن هذا ليس بإختياره أو حتى سؤاله عند ولادته ، فالأيام جند من جنود الله ، يرفع بها من يشاء ويذل بها من يشاء .
فالفقراء أطيب الناس قلوبا ، وأكثرهم صبرا على نوائب الدهر ، الضحكة لا تفارقهم ، وبشاشة الوجه لا تنزوي عنهم ، فالصفاء يكمن في حنايا قلوبهم ، والسلامة ترفرف على صدورهم ، والضياء يسطوا على كل مكانا يتواجدون فيه بأرواحهم الطيبة وسجيتهم العفوية .
الغنى غنى النفس :
اعلم ان الغنى غنى القلب لا غنى المال ، المال ملول ، المال ميال ، طبع المال طبع الصبي ، لا يوقف على حين رضاه وسخطه .
المال لا ينفعك ما لم يفارقك ، قد يكون مال المرء سبب حتفه ، كما أن الطاووس قد يذبح لحسن ريشه .
قال يحيى بن معاذ : الدرهم عقرب ، فإن أحسنت رقيتها ، وإلا فلا تأخذها .
ارض بما قسم الله لك تكن اغنى الناس منزلة واعظمهم مكانة وأجلهم قدرا واعرقهم نسبا فالغنى غنى النفس لا غنى المال
واحمد الله على كل احوالك .
فتدبر أيها العاقل حال الخلق وما قدر لهم ، سترى ما بينهم من التفاوت في العقول والأخلاق والأرزاق ، وربك حكيم عليم ، ترى من هو دونك في العقل ، ومن هو دونك نسبا ومالا ، ومن هو دونك في أصناف النعم ، إذن فإذا نظرت إلى ذلك ، ثم تفكرت في حالك ، ورأيت من هو دونك مراتب عديدة ، دعاك إلى شكر نعمة الله عليك ( فالحمد لله ) .
فكم من أقوام أثقلتهم الديون ، والصقت بهم الظنون ، فلم يسلموا من القيل والقال في تأخرهم بسدادها ، ولا من الإهانة والتهم إن رأى الناس عليهم نعمة ، فكل حق للعباد معلق بدين يرد وان سافر صاحب الدين إلى بلد آخر .
إن الرضا بقسم الله والرضا بقضاء الله يملأ القلب قناعة والنفس طمأنينة ، حتى يكون ذلك القنوع يساوي الأغنياء ، بل في قلبه من الخير ما فاق به الأغنياء في أموالهم ؛ بسبب قناعته ورضاه وطمأنينته بما قسم الله له .
طلب ورجاء من محب :
ترفقوا بالفقراء والضعفاء والمساكين واحنوا عليهم وأغنوهم ترفقوا بالنساء والأطفال وارحموهم وأدوا حقوقهم ترفقوا بالأجراء والعمال والخدم الذين .
انور ثابت بن عبدان