عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، فقال : هل لك من إبل ، قال : نعم ، قال : ما ألوانها ، قال : حمر ، قال : هل فيها من أَوْرَقَ قال : نعم ، قال : فأنى كان ذلك ، قال : أراه عرق نزعه ، قال : ( فلعل ابنك هذا نَزَعَهُ عِرْقٌ )
صحيح متفق عليه
الشرح :
ولد لرجل من قبيلة فزارة غلام خالف لونه لون أبيه وأمه ، فصار في نفس أبيه شك منه .
فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم معرضا بقذف زوجه وأخبره بأنه ولد له غلام أسود .
ففهم النبي صلى الله عليه وسلم مراده من تعريفه ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقنعه ويزيل وساوسه ، فضرب له مثلا مما يعرف ويألف . فقال : هل لك إبل ؟
قال : نعم .
قال : فما ألوانها ؟
قال : حمر .
قال : فهل يكون فيها من أورق مخالف لألوانها ؟
قال : إن فيها لورقا .
فقال : فمن أين أتاها ذلك اللون المخالف لألوانها ؟
قال الرجل : عسى أن يكون جذبه عرق وأصل من آبائه وأجداده .
فقال : فابنك كذلك ، عسى أن يكون في آبائك وأجدادك من هو أسود ، فجذبه في لونه .
فقنع الرجل بهذا القياس المستقيم ، وزال ما في نفسه من خواطر .
معنى العرق دساس :
فقد فسره السفاريني في غذاء الألباب بقوله :
وقوله : ( فإن العرق دساس ) أي دخّال بالتشديد ، لأنه نزع في خفاء ولطف ، ومعناه أن الرجل إذا تزوج من منبت صالح ، جاء الولد يشبه أهل الزوجة في الأعمال والأخلاق وعكسه .
يحكى أن رجلا دخل إلى مملكة وراح يتجول في شوارعها وهو ينادي : أنا رجل سياسي ، أحل كل المشاكل وأصالح بين المتخاصمين أنا سياسي فسمع الملك نداءه وطلبه إلى مجلسه .
الملك : أنت سايس ، يعني تربي الخيول ، عندي فرس عنيدة أريدك أن تسوسها وتدربها .
الرجل : يا مولاي أنا سياسي ولست سائسا ، وليست حرفتي تربية الخيول .
الملك : هذا أمر اذهب واعتن بفرسي ، وإلا قتلتك .
الرجل مذعورا : حاضر يا سيدي .
أمر الملك بوجبتين للرجل ، رز وحساء في الغداء والعشاء .
باشر الرجل تربية الفرس أياما ثم هرب ، فقبض عليه حرس الملك وقدموه له .
الملك : لماذا هربت .
هل وجدت في فرسي عيبا جعلك تهرب من تربيتها ؟
الرجل : سأخبرك عن عيب فرسك ولكن امنحني الأمان .
الملك : منحتك الأمان ما عيب فرسي ؟
الرجل : فرسك أصيلة ، لكنها لم ترضع من حليب أمها .
غضب الملك من كلام الرجل واتهمه بالكذب ، وزج به في السجن ، ثم أمر بإحضار السائس السابق .
وسأله : من أين رضعت فرسه ، وإلا قطعت عنقك .
قال السايس : عندما ولدت فرسك ماتت أمها ، فلم أجد لها حليبا سوى من بقرة كانت في الحظيرة ، خفت من بطشك فأخفيت عنك الخبر .
أمر الملك بإحضار الرجل من سجنه ، ثم سأله :
كيف عرفت بأن فرسي لم تعد أصيلة ؟
قال الرجل : الفرس لا يبحث عن الكلأ والعشب ، بل يحضر إليه وهو رافع رأسه ، فرسك كانت تتصرف كالبقر فتبحث عن طعامها وتطأطأ رأسها له .
أعجب الملك بفراسة الرجل ، وأمر بأن يجعله مستشارا لزوجته الملكة .
رفض الرجل لكن الملك هدده بالقتل ، فامتثل الرجل لأوامره ، ثم أمر الملك بتزويد وجبة السايس بدجاجتين في الغداء والعشاء .
اشتغل الرجل مع الملكة أياما ثم هرب ، فألقى الحرس القبض عليه وقدموه للملك .
الملك : ماذا وجدت في زوجتنا الملكة حتى هربت ؟
الرجل : وهل ستمنحني الأمان لو أخبرتك ؟
الملك : نعم لك ذلك
الرجل : زوجتك ملكة ، و لكنها ليست ابنة ملوك كما تتصور .
غضب الملك ووضع الرجل في السجن ، ثم سافر إلى حماه والد زوجته في المملكة المجاورة ، وعندما اختلى به وضع السيف على رقبته وقال له : أخبرني ما حقيقة نسب ابنتك لك .
قال له حماه : نعم هي ليست ابنتنا من صلبنا ، كانت عندي ابنة عمرها عامان ماتت مريضة ، وكنت قد اتفقت مع والدك على تزويجها لك عندما تكبر ، عندما ماتت أحضرت طفلة من الغجر وربيتها على أنها ابنتي وزوجتها لك .
عاد الملك إلى مملكته ثم أخرج الرجل من السجن وسأله
كيف علمت بأصل زوجتي ؟
فقال له : من طباع الغجر أنهم يغمزون حين يتكلمون ، وزوجتك كثيرة الغمز في الكلام .
زاد إعجاب الملك بالرجل ، وقرر تعيينه خادما لأمه ، حاول الرجل التهرب لكن الملك هدده بالقتل ، فقبل وأمر الملك بأن يضعوا خروفين يوميا للرجل في غدائه وعشاءه .
بعد أيام هرب الرجل حتى أحضره الحرس .
الملك : ماذا وجدت من أمنا ؟
الرجل : وهل ستمنحني الأمان ؟
الملك : نعم قل ما عندك .
الرجل : أنت لست ابن والدك الملك .
غضب الملك وأودع الرجل السجن .
ثم ذهب إلى والدته .
هل أنا ابن الملك ؟
حاولت الملكة الأم التهرب من الإجابة ثم استسلمت معترفة ، كان زوجي الملك عقيما ، ومع ذلك يتزوج في كل عام من بنت من بنات المملكة ، وبعد تسعة أشهر يذبحها إذا لم تنجب ، حتى تزوجني ، فاضطررت إلى معاشرة طباخ القصر فأنجبتك .
عاد الملك إلى القصر وأمر بإحضار الرجل ، ثم صرخ قائلا له تبا لك كيف عرفت سرا خطيرا كهذا ؟رد الرجل : الملوك لا يكافئون بالطعام ، وأنت كل مكافآتك لي كانت عبارة عن تزويد طعامي ، والطباخون هم من يكافئ بالأكل وليس الملوك .