آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-06:46م

عدو نفسه من يملأ حياته بصناديق الحزن

الأحد - 03 سبتمبر 2023 - الساعة 11:34 ص

جاكلين أحمد
بقلم: جاكلين أحمد
- ارشيف الكاتب


يحصل أن يستيقظ الإنسان  يوما ورأسه يمتلئ بالأفكار، وتزدحم مخيلته بذكريات مضت لكنها لم تغادره. حكايات لم تكتمل لكنه عالق فيها.

سيجد نفسه يسترجع كل تلك الأيام التي رحلت رغم ثقلها أو حتى بسعادتها، تلك المواقف التي انتهت وكان  يظن أنها لن تنتهي أبدا، تلك الهموم التي سكنته وأثقلت كاهله رغما عنه ورغم صغر سنه.

سيسأل نفسه كيف تخطى كل تلك الأمور التي منعته يوما من النوم وكان يظن أنه لن يقدر على اجتيازها، كل تلك المنغصات التي حرمه الاستمتاع بيومه أو أسبوعه، وشهره، وسنته لكنه اليوم ينام بدونها.

تلك المشاكل والهموم التي لطالما ظن أنهن الثقال وجمعهن في صندوق ذكرياته وحمله لينقله معه على مدار سنواته، يفتحه لليتحسس وجع كل تلك الذكريات بين فترة وأخرى على مدار حياته.

صندوقه الذي ينكفئ بداخله يعانق كل موقف وألم وجرح وكأنه ما زال يحصل، ويراقب كل تلك الأيام التي غادرته لكنه لم يستطع أن يغادرها.

وسيكتشف حينها أنه لم يهتم بجمع لحظات سعادته في صندوق بالقدر الذي جمع فيه أحزانه وهمومه ومشاكله لينقلها معه.

وإن جمع الهموم والآلام استحوذ على جهده وطاقته دون أدنى تفكير في تلك اللحظات السعيدة والمواقف الجميلة التي تخللت كل جرح وألم.

ويدرك  أنه لا يملك صندوق للحظاته الجميلة التي عاشها وضحكاته التي رسمها، للجمال الذي مر به يوما دون أن ينتبه، والمواقف التي كانت تستحق أن يحتفظ بها دون أن يدرك، لتلك الأيام السعيدة التي أغفلها حين اهتمامه بحزن ووجع أنهكه أكثر منها.

وإن صندوق ذكرياته يكتظ بمواقف محزنة أليمة تقسو عليه كلما فتح ذلك الصندوق لينبش ما به من ذكريات ويستعيد أيامه التي غلفها بالكآبة وتناسى لحظاتها الجميلة.

نحن نستمتع غالبا بنقل صناديق الحزن والكآبة والألم معنا في مختلف مراحلنا العمرية الطويلة، نراكم تلك الصناديق ونحشر أحدها تلو الآخر في ذاكرتنا حتى تصبح ذكرياتنا مليئة (بكراكيب) تملؤنا حزنا وتعاسة وتصل بنا إلى نتائج غير مرضية. لكن الإنسان لا يهتم بأن يرتب ذاكرته ويزينها باللحظات السعيدة التي مرت عليه خلال رحلته العمرية بالقدر نفسه.  

يبحث الإنسان دائما عن مشاعره السلبية يستجديها ليدخل في عالم اليأس والحزن  بينما يكون من الأسهل عليه أن يسعد نفسه باستعادة الفرح والضحكات والمواقف الجميلة. يجمل جدران حياته وحياة المحيطين به بلحظات جميلة تزرع السعادة لتنمو وتستقر.

فيصبح الإنسان عدو نفسه الأول بعيدا عن الأعداء الذين يميل إلى صنعهم حتى يبرر لنفسه مدى التعاسة التي أحيط بها ويعيشها ويجتهد حتى ينقلها إلى محيطه.