أن يترك الإنسان أثرا يرتبط بإسمه ويعرف به عند الناس، فهذا أمر في أصله ليس له من مقاصد الشرع التي يحث على تحصيلها أجر ، بل إن مقصد الشرع من ترك الأثر أن يحقق العبد الإخلاص في جميع أحواله ؛ وإن من المتقرر بما جاء به الشرع الكريم من نصوص الكتاب والسنة أن خفاء الأعمال الصالحة من أعمال التطوعات عن أعين الناس أبلغ في تحصيل الإخلاص وتحقيقه .
وعلى هذا النهج السليم كان السلف الصالح رضوان الله عليهم كما روى الإمام أحمد رحمه الله في كتابه ( الزهد ) (ص 212) عن الحسن رحمه الله ، انه قال : ( أدركت أقواما مَا كان أحدهم يستطيع أن يُسِرَّ عَمَلا فَيُعْلِنَه ، قد عَلِمُوا أن أَحرز الْعَمَلَينِ من الشيطان عَمَلُ السِّر ) .
وفي بعض الحالات ربما استحب أن يظهر الإنسان بأعماله إذا كان في هذا الإظهار مصلحة عارضة راجحة كأن يقتدي به غيره ويقدّر ذلك بقدره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :قد يستحب إظهار العمل الصالح ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به ، ويقدر ذلك بقدر الحاجة .
قال ابن عبد السلام رحمه الله : يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به ككتابة العلم .
قال الطبري رحمه الله : كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ، ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ، ليقتدى بهم ، قال : فمن كان إماما يستن بعمله ، عالما بما لله عليه ، قاهرا لشيطانه : استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده ، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل ، وعلى ذلك جرى عمل السلف " انتهى . " فتح الباري " (11 / 337) .
أفي الأحياء أنت :ما أيسر انطلاق الألسنة بالإجابة على مثل هذا السؤال ؛ ولكن إن كان الإنسان حيا فما علامة وجوده في صفوف الأحياء ؟
إن الأكل والشرب والنوم وغيرها من صفات الأحياء ليست برهانا على الحياة ، فالحي لا بد له من أثر .
ليس للحياة معنى أو قيمة إذا ما كان الإنسان قابعا في غيابت السكون ، وها هو الرافعي الأديب يُترجم ذلك المعنى بقوله : إذا لم تزد شيئًا على الحياة كنت زائدا عليها .
كتاب وحي القلم ، مصطفى صادق الرافعي : [2/86] .
ومن لم يجعل لنفسه أثرا قبل مماته فلا قيمة لحياته .قال الحكيم : الناس يُولَدون فيعيشون ثم يموتون ، فكان ممن وُلِدَ فعاش ثم مات ، هكذا دون أن يُسجِّل عنه التاريخ غير تلك الكلمات .
البعض يمر في حياتنا ويرحل دون أثر لا أثر لوجوده لا أثر لروحه وابتسامته وكلامه وفي الجانب الأخر نتحدث مع شخص للمرة الأولى فيترك بداخلك اثر .
سنغيب يوما ويبقى الأثـر حروفنا ، صورنا ، تمتماتنا فلنترك أثرا حسنا بعد رحلينا .
ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻳﺒﻘﻮﻥ ﺣﺎﺿﺮﻳﻦ ﺑﺂﺛﺎﺭﻫﻢ ؛ ﻭﺇﻥ ﻏﻴﺒﺘﻬﻢ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ؛ ﻛﺎﻟﻌﻄﺮ ﻳﻔﻮﺡ ﻋﺒﻴﺮﻩ ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ ﻧﺠﺪ ﺁﺛﺎﺭ ﺧﻄﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻬﻢ ، ﻫﻢ ﺍﻟﻐﺎﺋﺒﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻭﻥ .
لذا إذا أردت أن ترحل ارحل من حياة الأشخاص بأناقة ولا تنزع حبك من قلوبهم ببشاعة لأن المواقف تعيش بالذاكرة أكثر من الأسماء ليكن فراقك جميلاً كقربك .