آخر تحديث :الخميس-09 مايو 2024-11:47ص

رجل يُتاجر بكل شيء!

الأحد - 27 أغسطس 2023 - الساعة 09:22 ص

محمد دبوان المياحي
بقلم: محمد دبوان المياحي
- ارشيف الكاتب


أحتاجُ شهرًا للتطهَّر من لوثة الحديث مع الرجل. شعرتُ كما لو أنّي تسبب بالأذئ لعقلي. هل انتصرت أم انهزمت..؟ حتى النصر على الرجل؛ يُورثك الشعور بالخزي. على ماذا انتصرت..؟ أنت أمام فراغ، خواء مرعب، تُعارك فيه شبحًا، وتشعر بالرغبة بتغطية وجهك منه. على الرجل الذكي أن يختار هدفا مُشرفًا للنزال. بحيث يغدو مجرد الدخول في معركة، رمزًا للبطولة، وتشريفًا للعقل. أما وقد تورطت بالهذيان مع رجل أشك بسلامه العقلي، فأنا متنازل عن أي حق بالتباهي، إذ لا مذاق للنصر ولا معنى للهزيمة ولا حاجة لي سوى بالصمت، التأمل الطويل أو الضحك.

لست متفاخرًا بكوني تمكنت من تعريته، لقد كان عاريًا بنفسه، فقط أكدت لكم ما تعلمونه مسبقًا. إنّه التشييع الأخير فحسب. هل ما حدث كان مهمًا..؟ نعم. ما حدث، كان يجب أن يحدث، ليس لأننا نعتقد بإمكانية التفاهم معه؛ بل لتثبيت حقيقته، توضيحها للناس. وعزل نشاطه الهزلي للأبد.

خذوا مني هذه الفكرة الغيبية: إذا عاش الرجل سليمًا نفسيًا حتى أخر يوم من حياته، فأنا مدين له باعتذار تاريخي، بطولي، وملحمة خالدة تُنصفه. إنه يهتك نفسه ويدمر قواه الإداركية، يعتقد أن بمقدور الإنسان تدنيس كل شيء والتحايل على كل قوانين الوجود، ثم النجاة للنهاية. ما هو الإنسان..؟ ما الذي تقوم عليه نفسه..؟ إنه مجموع انفعالاته الداخلية وردات فعله الخارجية. وحين يتصرف مخلوق بعبثية تامة في كل مواقفه، يكون قد أسهم بتدمير كل أساس مستقر لوجوده. هو يلعب الآن في القاع. وسوف يتآكل ما تبقى له من دعائم مرتبكة ويتزعزع قبل نهاية المشوار.

أنت أمام رجل يُتاجر بكل شيء. كيف يمكنك أن تخوض معه نقاشًا حول سوال البداية والنهاية. أكثر قضية أرّقت العقل البشري منذ الأزل، ولم يتمكن أحد من حسمها، لا مؤمن ولا ملحد، لا عقل ولا وحي، لا الأساطير شرحتها بوضوح تام ولا نظرية التصميم كافية لانهاء الحيرة. ألا تكون قد أسهمت بخفض وعي الناس بخطورة الحكاية وتلغيزها..؟ أنت تناقش تاجر مشبوه، أقصى همه العثور على سوق لبضاعته، بائع في سوق كاسد، لم يعد أحد مستعدًا للتعامل معه.

إنّه يتاجر بالإلحاد، وبطريقة أسوأ ممن يُتاجر باسم الدين. وهذه الجملة ليست مجرد تعبير أدبي عنه، بل حقيقة قلتها استنادًا لمعلومة دقيقة. هو ليس ملحدًا ولا مؤمنًا، بل رجل مسترزق وعابث. وإن أفضل طريقة للتعاطي معه، هي الحكمة الجماعية للناس البسطاء. النبذ التام ورفض أي تعاطي معه. فمهما بلغ بك درجة الفراغ، لا يمكنك العثور لدى الرجل على شيء. وإنها لجريمة بحق العقل وشرف المعرفة أن يضع المرء احتمال بجدوى الحديث مع مخلوق مثله.

عبِث الرجل بالحياة العامة للناس. ولو كنّا في بلد محترمة، لكان الآن يقبع في السجن أو قد غادر الحياة. لكنه ما يزال مصرا أن يعبث بحياة الناس الخاصة. هذا كائن يقتات من سلامة البشر ويموت حين لا يجد من يفسد حياتهم. نحن شعب مرهق ونفتقد للصرامة في تنظيف حياتنا من القذارات، لقد استشرت التشوهات في حياتنا، وصرنا مشوشين ونفتقد للمعيار في حسم الموقف الأخلاقي تجاه كل مظاهر الاختلال.

حسنًا، إن كان هناك من أثر يستحق التقدير، فهو النقاش اللاحق، حيث تدرّب الناس، على خوض نقاشات رائعة حول ما حدث.

فما حدث أشبه بزلزال وصل صداه حتى القرى البعيدة. أمر مذهل أن تغدو القضية الوجودية، مثار سؤال عند الناس. هذا النوع من الأسئلة، يُمكِّن الناس من إعادة إمتلاك وجودهم والوعي بجوهر حياتهم. تمنيت لو أننا تمكنّا من تقديم نموذج مشرف للحوار. لكنك أمام شخص أقرب مكان يليق به هو المصحة، وليس منصة الحوار. إنّه لأمر مخزي أن يُمنح رجل مثل البخيتي، دقيقة للتوقف معه والتعامل بجدية مع ما يقول.

أخيرًا: أدعو الناس للتسامح وتدريب أنفسهم لسماع أكثر البشر شكوكية وحيرة وحتى كفرًا ورفضًا لكل المسلمات. ما من شيء يُحظر التساؤل حوله، لا خوف على شيء، لا أحد بمقدوره أن يهز عقائدكم. الأخر ليس عدوًّا، بل هو الجزء الخفي من أنفسكم، كل ما يثير انزعاجم، توقفوا للحديث معه. فكرة في رؤوسكم أو ولدًا مراهقًا من أبناءكم لديه ريبة ويجد صعوبة في الإيمان بما تؤمنون به. دربوا أنفسكم على أن تصغوا للجميع. فقط شيئًا واحدًا أوصيكم به: ألا تمنحوا الرجل_أخجل من ذكر اسمه مجددا_ دقيقة واحدة من وقتكم، من تفكيركم. أنتم أمام مخلوق يفتقد للنزاهة. مشبوه، مشبووه، يدير نشاطًا؛ كي يلهي شعبًا عن أولوياته الواقعية. ليس بهدف تنويره، بل؛ كي يغرقه في مزيد من الظلام. رجل يمارس نقمة ضد الناس، والغاية أن يعثر على ما يعيل به حياته. هذه معلومة وليست شتيمة، إنه يُصيب كل من يتخاطر معه بالدنس.

أستغفر الله الجميل وأتوب إليه.