آخر تحديث :الأربعاء-30 أكتوبر 2024-08:01م

الصفاقة مع المعلمين

الإثنين - 21 أغسطس 2023 - الساعة 10:21 م
سلمان الحميدي

بقلم: سلمان الحميدي
- ارشيف الكاتب



المعلمون في صنعاء، يضربون عن التدريس للمطالبة بالرواتب المنقطعة منذ سنوات.

والمعلمون في تعز، يحتجون أمام المحافظة، للمطالبة بصرف الحافز.

الانزلاق إلى مفارقات كهذه مؤلمة: مدرس في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي يطالب بالراتب، وزميله في مناطق الشرعية يطالب بالحافز. الوضع العام قاس على الاثنين، ولكنه أشد وأقسى على المعلم في مناطق الحوثيين.

في مناطق الشرعية يساوي راتب المعلم قيمة كيسين ونصف من الدقيق، وهذا خير مما لا شيء.

يريد الحوثيون من المعلمين تدريس الطلاب. لقد فعلوا ذلك على امتداد السنوات الماضية استشعارًا للمسؤولية وحفاظاً على الأجيال، فعلوا ذلك مقابل البطاقة التموينية "منح الحوثيون بطائق لاستلام بعض المواد الغذائية بدل الراتب"، نفد الصبر، نفدت القدرة على التحمل، جوع وتغيير منهج وإهانات وبلا رواتب.

لو كنتَ قليل حياء، ووجهك بلا ماء، ونزعت التجلة عن المعلم الذي كاد يكون رسولا، وتعاملت معه كأجير، لما تصرفت معه كما يتصرف الحوثي مع المعلمين وغير المعلمين.

لا، ويقايضون المعلمين: تحمل الوضع والاستجابة لتعليمات الجماعة بحذافيرها، مالم فالفصل الوظيفي جاهز. طمس الاسم من سجلات الخدمة المدنية.

وقد وصلت الصفاقة بالحوثيين بالضغط على المعلمين لمنعهم من قولة: آه. وإذا لم تستجب فأنت طابور خامس وعميل للعدوان.. بهذا المنطق يتحدثون.. آه والله.

الأسبوع الماضي تداول ناشطون مقطعاً مؤثراً، لأحد المعلمين وهو يودع طلابه الصغار، لم يعد قادراً على تحمل مسؤولية طلابه فقرر الرحيل إلى الغربة، على الأقل للإيفاء بالحد الأدنى من المسؤولية على أسرته.

لم أشعر بتعاطف عميق تجاه الموقف، ربما اتخذ المعلم القرار الصائب. كنت في تلك اللحظة متعاطفاً مع معلمة لا أعرفها، كتب عنها الناشط حاشد البحيري، وقد أعدت كتابة التفاصيل ولم يتعاطف معها أحد.

وقفت المرأة أمام مجموعة من الرجال في مدينة تعز تبحث عن مساعدة تستعين بها على الطريق، إليكم الملخص:«أنا أختكم شردتها الحرب، وجاء بها التيه والخوف من فقدان الوجود. أنا مكلومة، وواقفة أمامكم، أنا «فلانة بنت فلان» متأكدة أن منكم من سمع بهذا الاسم، عمري التربوي 38 سنة، ربيت أجيالاً تحت راية الجمهورية، حين وصل الحوثيون صنعاء، فرضوا علينا التدريس بنصف راتب، ففعلت حفاظاً على الأجيال، أجبرونا على التدريس بلا نصف راتب، ففعلت أيضاً، رغم أني أربي ابني الشاب وبنتين إحداهن مصابة بالسرطان فيما زوجي مصاب بأمراض القلب.

عندما بدأ الحوثيون يفرضون أفكارهم الطائفية في المناهج بما في ذلك الجامعية، بعت كل ذهبي وأخرجت ابني ليدرس خارج البلد لأحميه.. ضيق الحوثيون علينا، بدأت أخاف من إحالة اسمي إلى التقاعد واستبدالي بموظف هاشمي. هددوني بإنزال وظيفتي، وظيفتي هي الثروة التي ملكتها، لم أخضع للحوثيين وتهديداتهم ورفضت منهجهم حفاظاً على كرامتي، قررت النزول إلى تعز لإنزال اسمي كموظفة نازحة في كشوفات الشرعية، للأسف لم يتم إضافة اسمي رغم الرفع بأربع دفع من أسماء المعلمين النازحين. ساءت أحوال بناتي وزوجي، قررت العودة إلى صنعاء، ووجدتني أسأل نفسي: هل لديك مصاريف العودة؟ هل عندك ما يؤمن عيشك وبناتك لشهر؟  قبل نزولي إلى تعز، لم أفكر أن أصل إلى هذا الوضع.. تقول المعلمة».