نايف القانص
يواجه الوسطاء العمانيون جملة من التحديات والإنتقادات في محاولة من الأطراف التي ستتعرض مصالحها للخطر إذا نجحت الوساطة وتوصلت إلى صيغة توافقية لإحلال السلام والانتقال من الهدنة غير المعلنة التي استُثمرت في صالح القوى المتنفذة وتجار الأزمات والحروب، وانعكست سلباً على عامة الشعب بل وأصبحت عاملا معطلا للملفات الإنسانية التي كان من المفترض حلها في الربع الأخير من العام المنصرم.في هذا السياق يواجه الوسيط مخاطر بصورة مغايرة للهدف النبيل الذي يسعى إليه ويعرض مهمته للإنتقاد ومحاولة التشوية وفقدان الثقة، لأن مجالات القيود التي توضع أمامه ليست سهلة ومن الصعب التغلب عليها طالما أن أطراف الصراع أنفسهم مستفيدون من الوضع القائم، لذا أصبح الوسيط كأنه خصم الجميع ولسان حالهم يقول مهمتنا جميعاً هو إفشاله.لقد نجحت الأطراف المتصارعة في تقزيم الحلول في اليمن وتحويلها من القضايا الأساسية والجوهرية الخاصة بكيان الدولة وبسط نفوذها وإعادة الأمن والاستقرار والحقوق والحريات في دولة مدنية تتمتع بالسيادة الكاملة على الأراضي اليمنية، إلى جزئية تتعلق بملف (المرتبات + ملف الأسرى) الذي كان من المفترض إنهاؤه قبل عام فما يزال هذا الملف عائقا أمام الملفات الكبرى فالوطن ممزق والشعب يعاني الفقر والحصار والانتهاك لكل حقوق المواطنة والإنسانية، فالأسرى والمعتقلون يعانون في السجون المظلمة والشعب يعاني في سجن كبير.القيود الأخرى التي تقف أمام الوساطة العمانية تتمثل في إدارتها للمفاوضات وعملية استمرارها من عدمه؟ وهل تستطيع أن تضع مبادئ عامة للقضايا العالقة وسرعة المضي في تنفيذ ما توافقت عليه الأطراف سابقا؟ وأخرى للقضايا الجوهرية؟ وهل تفصل ما بين وساطتها بين التحالف وأنصار الله؟ وما بين كل الأطراف اليمنية؟ لأنه من السمات المميزة للأسلوب الدبلوماسي في التفاوض هو تفصيلية التوصل إلى اتفاق على جملة من المبادئ التي يمكن استدراكها لاحقاً، فالنهج الذي يجب أن يعتمده الوسيط العماني لا يمكن أن يوافق هوى كل طرف من الأطراف الثلاثة الأنصار التحالف الشرعية بل يجب أن يعتمد ما يوافق المصلحة الشعبية اليمنية أولاً والأطراف المتصارعة ثانياً ودول الجوار ثالثاً والمجتمع الدولي رابعاً لأن اليمن نقطة ارتكاز للمصالح الإقليمية والدولية ولا يمكن أن تتجزأ الحلول بعيداً عن المصالح الثلاث.ضغوط الوقت أصبحت تؤثر على المفاوضات وصبر الشعب اليمني طال، وإطالة الوقت تعني فقد الوسطاء السيطرة على المواقف ليصبح التعنت سمة تجيد استخدامها الأطراف المتصارعة وخاصة أن بعضها يرى بأن التوصل إلى سلام شامل سيفقدها مصالحها ونفوذها.إن وقف إطلاق النار الهش وإجراءات المتابعة الضعيفة تقوض الوساطة الحالية وتجعل من تعيين وسطاء لاحقين صعوبة كبيرة.وهنا، ما تزال الثقة قائمة بالوساطة العمانية فهي إلى حد الآن تتجاوز نقاط الضعف التقنية فهي الأكثر معرفة باليمنيين وتكاد الثقافة اليمنية العمانية متطابقة والأعراف والأسلاف متقاربة وكانت ومازالت محايدة، وهي أكثر دبلوماسية في كل النزاعات التي حدثت في الوطن العربي، ومازالت إلى حد الآن تتمتع بثقة جميع الأطراف.الصعوبة بالنسبة للوسيط العماني تتمحور في إيجاد مقترحات قد لا تكون بالضرورة متحيزة أو تهدف إلى محاباة طرف أو أكثر من الأطراف، فالدبلوماسية العمانية لديها الكثير من التجارب والنجاحات ولن تعدم الوسيلة في إيجاد حلول ترضى عامة الشعب اليمني وهي الآن أمام فرصة تاريخية في منعطف دولي معقد والسلام في اليمن أصبح مطلباً دولياً في ظل المتغيرات الجديدة، فهل تنجح السلطنة في تحقيقه؟ وهل تساعدها الأطراف المتصارعة وتترفع عن خلافاتها وتقدم تنازلات لصالح الشعب اليمني ولو لمرة واحدة؟