أي تشكيل مسلح خارج سيطرة الدولة ممثلة بوزارة الدفاع، هي بالتأكيد مليشيا مسلحة أياً كان المسمى والغرض.
عندما انهارت الدولة وأجهزتها العسكرية أمام مليشيا الحوثي المتحالفة مع قوات في ذلك الوقت كانت تسير بأوامر الراحل صالح؛ تشكلت المقاومة الشعبية. كانت من مسلحين مدنيين في الغالب وعسكريين وطنيين أبوا إلا أن يواصلوا المواجهة تحت أي مسمى.
في تعز، لا أحد يستطيع ينكر دور الشيخ حمود المخلافي في تشكيل المقاومة، والتفاف العسكريين حولها، لتتحول إلى نواة الجيش الوطني فيما بعد.
كانت أوج المعارك في السنوات الأولى من الانطلاق، من 2015 إلى 2017، وفي هذه الفترة استنزفت المقاومة الشعبية والجيش الوطني، أرتال الحلف الحوثي. كانت هذه السنوات عصية على المقاومة والجيش، إذ ارتقى الكثير من الشهداء أفراداً وقيادات، مضحين بأرواحهم في سبيل الخلاص من جماعة الحوثي والمشروع التدميري الذي تحمله وتسير به طبقاً لإملاءات إيرانية.
لم تتوقف المعارك، بعد 2017، ولكن تراجعت حدتها..
بالمعنى الواضح: كان الشيخ المخلافي في الميدان في ذروة المواجهة.
ولو استعرضنا شريط المعارك لوجدناه حاضراً عند الحدود التي تقف عندها المعركة حالياً: يظهر المخلافي على مشارف القصر الجمهوري، ومهاجماً في الدفاع الجوي، والمرور، والنقطة الرابع.
مهما يكن الخلاف مع الشيخ، والانتقادات الموجهة له، كان المصورون يوثقون تحركات الشيخ في الميدان، ماحدا بالبعض تسميته بـ "حمود صورني"، وتأتي تلك الصور كشواهد على الشجعان الجدد الذي جاؤوا لينكروا دوره، أو منزعجين لأنه يتحرك بين تركيا وعمان.
عندما كان الحوثيون قد استولوا على خط الضباب وانقطع الشريان الوحيد، الذي كان يستخدمه المدنيون للتحرك نحو عدن، تراجعت الفصائل العسكرية التي تقاوم الحوثيين في ذلك الوقت، كان الشيخ المخلافي في عدن يستجدي من التحالف ثلاثة أشياء: الفطيرة، والذخيرة، وعلاج الجرحى..
لم يتعامل التحالف العربي مع الشيخ رأساً، ومع ذلك عاد الشيخ إلى منطقة التربة وظل هناك لأيام، وقرر خوض المعركة بنفسه لفتح خط الضباب.
ارتقى شهداء مقربين منه، مرافقوه، أتذكر عز الدين المخلافي، ليس شقيقه ولكن أحد مرافقيه، وكذلك المصور محمد اليمني، وآخرون استشهدوا في معركة قشع الحوثي من طريق الضباب. لم يأت الليل إلا والشيخ في المدينة بعد عملية استعادة الشريان.
كلنا نعرف كيف خرج المخلافي، ولماذا؟ وكلنا نعرف دوره المؤثر في المعركة حتى هذا الوقت. حتى خصومه يعرفون ذلك، ويعرفون دعمه الذي لم يتوقف حتى بعد خروجه، ولكن مجموعة من الكتاب والناشطين الذي وجدوا أنفسهم فجأة متخندقين مع الشجعان الجدد، وجدوا في مكث المخلافي بالخارج فرصة للنيل منه، بعضهم لم يعجبه حتى وإن كان في الداخل، ولن يعجبه إن عاد وقاد المعركة، وحقق انتصارات..
لقد فتح تعيينه رئيساً للمجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، باباً للسخرية واللمز، بالإضافة إلى اتهامه لإعادة مليشيا مسلحة للواجهة.
في البدء كانت المقاومة، ولأن جماعة الحوثي لم تنته بعد، من الطبيعي استمرار وجود تشكيلات مدنية تقاتل الحوثيين، ومن حقها تنظيم صفوفها وقياداتها لأجل المعركة، لا لأجل أهداف أخرى، ومن هذه الزاوية يمكن النظر للمقاومة ومجلسها الجديد.
المقاومة الشعبية مشروع نبيل وُجِد في لحظة فارقة، ورغم المؤامرات التي أحاطت به، وخاصة من بعد 2017 ومحاولة نزعه من الذهنية اليمنية بتكريس مكون بذات الاسم، الا إن المقاومة مستمرة، وعلينا أن نذود عن نُبل الفكرة ونخلصها من شوائب الأجندات ونصحح الأخطاء لا أن نتآمر عليها، أو نساعد بتحويلها إلى صاعق مؤقت يعيق الدولة مستقبلاً.
أما من ناحية وصفها بمليشيا مسلحة، فنعود لتعريف البداية: أي تشكيل مسلح خارج سيطرة الدولة ممثلة بوزارة الدفاع، هي بالتأكيد مليشيا مسلحة أياً كان المسمى والغرض.
وبالنظر إلى التعريف وإلى التشكيلات المتواجدة على الساحة، فإن المقاومة ليست خطراً على الدولة، على الأقل لأنها لا تملك عتاداً ثقيلاً أو رواتب بالعملة الصعبة، مثل حراس الجمهورية أو تشكيلات الانتقالي، ثم إنها ردة فعل لفعل، أي تشكيل لمواجهة الحوثي، وتنتهي مهمتها بزوال الحوثيين.
منطقياً، كافة التشكيلات العسكرية يجب أن تخضع مالياً وإدارياً لوزارة الدفاع، تعيين قادة الألوية لا بد أن يصادق عليه من رئيس الجمهورية، الرواتب لا بد أن تتوحد، والانتقال للمعركة، بعدها يمكن القول: من أراد من المدنيين أن يقاتل الحوثي فليقاتل بشرطين: تحت قيادة الجيش أو الانضمام إليها، والثاني أن يقاتل دون المطالبة بمكاسب..