قبل ثماني سنوات، وتحديداً في 22 يوليو (تموز) 2015، سجل تاريخ التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أبرز انتصاراته في الحرب ضد ميليشيات الحوثي المدعومة من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، التي احتلت عدن في شهر مارس (آذار) من العام نفسه. وفي سادس أيام عيد الفطر المبارك الموافق السادس من شهر شوال 1436 للهجرة، أعلن إمام الحرم المكي بعد صلاة العشاء أن "عدن حرة"، فيما رقص ملايين الأشقاء الخليجيين والعرب رقصات النصر المبارك، وأحيوا الاحتفالات فرحاً بالنصر المؤزر.
في تلك اللحظات الفاصلة في التاريخ العربي تمنى الجميع لليمن ولليمنيين مزيداً من الانتصارات على قوى الكهنوت الحوثية المدعومة من إيران، ومواصلة إنجاز استعادة الدولة اليمنية باعتبارها رافداً قوياً للنظام والاستقرار الخليجي والعربي، وعلى طريق دمج اليمن في هياكل ومؤسسات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر، فصار الوضع بائساً على الأرض بعد ثماني سنوات من ملحمة التحرير العدنية في كل أرجاء اليمن على عكس طموحات وتطلعات الشرفاء من أبنائه الذين ماتوا من أجل استعادة الدولة.
القصة الأسطورية
معروفة مقدمات تلك القصة الأسطورية التي سطرها رجال المقاومة في عدن الجنوبية جنباً إلى جنب مع رجال التحالف، ويعرف تفاصيلها الجميع منذ إعلان التحالف العربي بدء عملياته العسكرية في اليمن في الساعات الأولى من يوم 26 مارس 2015، فقد سبقها تقديم الرئيس عبدربه منصور هادي استقالته ووضعه رهن الإقامة الجبرية في العاصمة صنعاء، حتى تمكن من الهرب إلى عدن يوم السبت الموافق 21 فبراير (شباط) 2015، من حيث أعلن عودته عن الاستقالة، ودعا إلى تدخل عربي لحماية اليمن وشعبه من الاعتداءات الحوثية.
وما هو إلا شهر واحد من بقاء الرئيس هادي في عدن، حتى انقض الحوثي وعناصر الحرس الجمهوري التابعة للرئيس السابق، على مدينة عدن، ليهرب منها الرئيس هادي ناجياً بجلده في رحلة عبر البر امتدت لـ330 كيلومتراً إلى الحدود العمانية، نشر تفاصيلها الدكتور علي الأحمدي رفيقه في الرحلة، ورئيس جهاز الأمن القومي حينها. كان هادي يهرب من موت محقق، فقد أعلن الحوثي عن تقديم 90 ألف دولار لمن يأتي برأسه، وكانت مختلف القوات في رحلة مرعبة.
وما هي ألا أيام حتى بسطت الميليشيات الحوثية سيطرتها على مدينة عدن، إلا أن السيطرة الحوثية كانت مقتصرة على المراكز الرئيسة في المدينة، وبقيت معارك الكر والفر هي السائدة في مسرح العمليات خلال الأشهر الثلاثة من لحظة دخول الحوثي في المصيدة العدنية، فيما بقيت جيوب للمقاومة الشعبية حية دائماً في بعض أحيائها، ونظراً لاحتدام المعارك في الأحياء الضيقة والمكتظة بالسكان، ولأن الحوثي غريب عن البيئة التي كان يقاتل فيها، تمكن المقاومون العدنيون الجنوبيون من إجهاض محاولات الحوثيين للاستقرار الكامل في المدينة، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من القتال والمناوشات غير المتكافئة نظراً إلى قلة اللوجيستيات والخبرات العسكرية لدى المقاومة، بدأت في منتصف شهر يوليو عملية "السهم الذهبي" العسكرية الواسعة لتحرير المدينة بقيادة التحالف، وبقيادة ميدانية من اللواء الشهيد جعفر محمد سعد.
وخلال أيام تمكن المقاومون من استعادة السيطرة على مناطق واسعة في "رأس عمران" والمناطق المحيطة بمطار عدن الدولي، ومنطقة "خورمكسر"، وتسارع انهيار الميليشيات الحوثية.
المقاومة والتحالف... حصحصة الحق
في بداية العام الحالي صدر كتاب بعنوان "25 يوماً إلى عدن" للباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مايكل نايتس تناول فيه واحدة من صفحات البطولات النادرة التي غيرت تاريخ المنطقة، وأنقذت اليمن من السقوط النهائي في براثن المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة. ويشرح الباحث بتفاصيل دقيقة قيام عناصر المقاومة العدنية متنكرين في شكل صيادين بتأمين وصول أول مجموعة استطلاعية من قوات التحالف الخاصة الإماراتية، والذين تم إسقاطهم في البحر ليلاً بواسطة طائرات الهليكوبتر، لبناء موطئ قدم في الأرض، ولوضع أول عناصر الخطة التي أجازتها قيادة التحالف للتحرير.
ويتابع الكاتب في مقال نشره عن الكتاب فور صدور نسخته العربية، أنه "كانت هناك إسهامات مقدمة من قبل القوات الخاصة الإماراتية والسعودية في خضم المعركة، وكانت هناك لمحات إنسانية جميلة لمسها هو شخصياً في علاقة الجنود السعوديين والإماراتيين مع أشقائهم في المقاومة والسكان المحليين.
وفي 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2016 سنحت لي فرصة استثنائية للقاء اللواء الأسترالي المتقاعد مايك هندمارش، قائد الحرس الرئاسي في دولة الإمارات، ومسؤول عمليات التحالف الإماراتية في اليمن، والذي استعرض خلال لقاء في مقر البعثة الإماراتية في نيويورك مهام قوات التحالف ودورها في تحرير عدن.
وأشار اللواء هندمارش إلى أنه بتاريخ 25 مارس كان الانقلابيون قد احتلوا قاعدة العند الاستراتيجية وأجزاء مهمة من عدن، مؤكداً أن عدن لم تسقط نهائياً بيد الانقلابيين وبقيت جيوب من المقاومة القوية في المدينة، مما استدعى تحركاً فورياً لإيجاد قاعدة ثابتة للتحالف على الأرض داخل المدينة، والتي تم تعزيزها تباعاً لضمان الامداد العسكري واللوجيستي لمقاتلي المقاومة وتوسيع رقعة المنطقة المحررة، مشيراً إلى أنه لو سقطت عدن بالكامل فإن عملية التحرير كانت ستكون مستحيلة.
ويضيف اللواء هندمارش، أن مهمة تحرير عدن والعمليات الجوية في كل اليمن شكلتا بداية كسر الانقلاب، وتناول توزيع المهام العسكرية بين دول التحالف في مسرح العمليات، فالشمال ومنطقة الحدود اليمنية - السعودية كانت تحت إدارة القوات السعودية وبمشاركة القوات البحرينية، أما في الجنوب فكانت العمليات بإدارة القوات الإماراتية وبمشاركة قوات سعودية، مشيراً إلى وجود قوات أردنية في المكلا، أما في مأرب فقد وُجدت قوات مشتركة من مختلف المكونات.
وأشار إلى أنه بعد أسبوعين من بدء العمليات أوكلت له مهمة تأمين عدن وقام بإرسال إعداد متزايدة من الأفراد وتطورت العلاقة مع المقاومة وتم تزويدها بالأسلحة النوعية والدعم العملياتي، وكانت أولى المحاولات استعادة المطار، إلا أن وجود الانقلابيين وتجهيزاتهم العسكرية واستعدادهم القتالي كان كبيراً، مما أدى إلى إعادة النظر في العملية. وتم مباشرة إجلاء 250 من عناصر المقاومة في عدن إلى قاعدة الدعم العملياتي في عصب بإريتريا وتم تدريبهم وتجهيزهم وإدخال عربات مدرعة إلى مسرح العمليات.
وأكد اللواء هندمارش أن عدد العناصر الإماراتية خلال عمليات التحرير لم تتجاوز الـ250 عنصراً من العسكريين الشباب من القوات الخاصة، وكان دورهم توفير الإسناد النوعي في عمليات المقاومة، مشيراً إلى أن كل المعارك خاضتها مقاومة أبناء عدن بدعم نوعي من التحالف. وبعد أشهر من الاستعدادات على الأرض تم تحرير المطار في عملية نوعية شارك فيها 1200 من عناصر المقاومة وبعدها تساقطت بقية المناطق تباعاً. وتلا عملية تحرير عدن تحرير قاعدة العند الاستراتيجية وهي العملية النوعية الثانية من حيث الأهمية وبعدها تحرك التحالف باتجاه أبين وباب المندب خلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر، لتتسع رقعة العمليات من باب المندب غرباً وبوابة تعز شمالاً إلى محور أبين مكيراس شرقاً.
"وإذا عدن كما نعرفها، وإذا المقاومة كل في طريق"
اليوم نحتفل بمرور الذكرى الثامنة لذلك اليوم الخالد ونحن نقف بإجلال أمام طابور الشهداء من رجال المقاومة، وعلى رأسهم شيخ المقاومة العدنية اللواء الشهيد علي ناصر هادي، ومهندس التحرير محافظ عدن وابنها البار اللواء الشهيد جعفر محمد سعد، وطابور طويل من أشرف الرجال الذين قتلوا تباعاً في تصفيات ما بعد التحرير. نتذكرهم جميعاً ونقف للتفكر ملياً في ما آلت إليه الأمور بعد ثماني سنوات لنرى أن التحالف واصل السير في طريق العهد وقدم -ولا يزال- الغالي والنفيس لأشقائه في اليمن، فيما غابت الشرعية عن الأرض منذ تحرير عدن إلا من زيارات متباعدة، فلا وجود للرئاسة ولا للبرلمان ولا للشورى.
ولهذا يتلاشى كل دعم نبيل ممكن أن يقدم للشعب اليمني من أشقائه وأصدقائه، لأنه سرعان ما يجتذبه الثقب الأسود لأمراء الحرب، في ظل معاناة الناس فكرة العيش في اللادولة، وهم يعانون في عدن والمناطق الجنوبية والساحل الغربي قيظ صيف قاتل بغياب غير مسبوق للكهرباء والخدمات والمرتبات والحد الأدنى من الحياة الكريمة، فيما تتعزز أوضاع الفاسدين وثقافة العصابات والفساد والمحسوبية، هذا هو المشهد اليوم، فرفاق الأمس الذين وقفوا سداً منيعاً ضد الحوثيين وهزموهم، ينهزمون اليوم لأن طرقهم باتت شتى ومصالحهم متناقضة وهم على استعداد للدخول في معارك بينية قاتلة، ولهذا أستعير كلمات إبراهيم ناجي في "الأطلال"، وأقول: "وإذا عدن كما نعرفها، وإذا المقاومة كل في طريق".