آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-03:10م

اليمن الغني الفقير

الأحد - 23 يوليه 2023 - الساعة 08:28 م

عبدالناصر العوذلي
بقلم: عبدالناصر العوذلي
- ارشيف الكاتب


يمن الإيمان والحكمة غني في موارده فقير في إدارته تعاقبت على سده حكمه نخب سياسية عقيمة عاجزة فاشلة لم تستطع أن تصنع انموذجا لدولة قوية ذات سيادة .


اليمن دولة حباها الله بكل مميزات الدولة المحورية القوية ففيها من الإمكانيات والثروات مايجعلها أقوى دولة في شبه الجزيرة العربية وهي ذات موقع جيو إستراتيجي يتحكم بخطوط الملاحة الدولية وهي دولة فتية بمعنى أن نسبة الشباب فيها تصل الى أكثر من 70% وهذا بحسب إحصائية دولية حددت اليمن بالدولة الفتية في الشرق الأوسط.

كل هذه الإمكانيات والمميزات والمزايا لم تحقق لليمن أي نهضة تنموية أو علمية او إجتماعية وظل اليمن يرزح تحت نير الأنظمة الظالمة المستبدة والمتسلطة والعقيمة في إدارتها ولم تستطع هذه النخب من العمل على بناء دولة محورية قوية بل تقوقعت هذه النخب في بوتقة ضيقة من المشاريع الخاصة والفئوية والتي لم ترتقي الى مستوى المشروع الوطني  .

ظل اليمن قبل الوحدة في دولتين متباينتين على مسارين سياسيين متناقضين  أحدهما في أقصى اليسار والأخر في أقصى اليمين في الجنوب دولة مدنية  ذات مؤسسات قانونية استفادت من تجربتها في الإدارة من الإستعمار .

غير أن النخبة السياسية التي أدارت العمل السياسي في هذا الجزء الحيوي من العالم كانت جماعة لاتفقه الواقع ولا تعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها وفشلت في الحفاظ على إرثها التاريخي والحضاري ومضت في 
سياسة غير سوية بنظرية يسارية إشتراكية في مرحلة التطور نحو الشيوعية كما كانوا يزعمون .

وارتهنت هذه النخبة للفكر الماركسي العقيم  الذي لايدفع بعجلة التنمية والذي أوقف الحياة وتقوقع خلف شعارات جوفاء وظل على مدى 23 سنة هي عمر النظام المتبثق عن الجبهة القومية التي انتجت بعد ذلك الحزب الاشتراكي اليمني  الذي فشل فشلا ذريعا في إدارة هذا البلد حتى وصل في عام  90 إلى وحدة إندماجية غير متكافئة مع الدولة اليمنية المجاورة بدون أي ضوابط تحفظ حقوق الشعب  .

وفي شمال اليمن كانت النخبة السياسية التي أدارت العمل السياسي منذ العام 1962 مرتهنة للخارج وظل القرار السياسي غير مستقل واختلطت الإمامة بالجمهورية وظل الشمال القبلي الجمهوري الإمامي يدار من خارج حدوده الجغرافية وكانت القبيلة اليمنية هي الممسكة بزمام الأمور  وهي صاحبة القيادة  ولذلك إنقلبت على الإرياني والحمدي لأنهما جاءى من خارج المركز المقدس ومن خارج إطار الهضبة  .

وفي العام  90 اندمجت الدولتين في إطار دولة يمنية هي الجمهورية اليمنية  ولأن الخلفية السياسية للدولتين عقيمة فقد انتجت وحدة عقيمة لم تكن بالمستوى المأمول ولا بحجم الحلم الشعبي الذي كان حلما كبيرا  يتشكل في رسم دولة محورية ذات سيادة يتكامل فيها أبناء الوطن لصنع نموذج وحدوي يحقق النمو والرفاه والعدل والمساواة للشعب اليمني  .

لم تكن القيادة بمستوى الحدث ولذلك أظهر كل منهما (أي الشريكين) أحقاده على الآخر ودخلا في تصفيات اخلت بمسار الوحدة وأوصلت الجميع الى حرب 94 التي تغيرت بعدها المعادلة السياسية فقد أقصي الشريك الرئيس في صنع الوحدة وانبثق شريك آخر دخل مضمار العمل السياسي  وهو حزب التجمع اليمني للإصلاح الحزب الذي انبثق من تحت مظلة المؤتمر في العام 90 قبل إعلان الوحدة ببضعة أشهر وربما أن  تشكيله كان  لهذا السبب ليكون  شوكة في خاصرة الإشتراكيين القادمين بصدور مفتوحة غير مدركة حجم السهام التي ستوجه اليهم وكان ماكان وتغير المكان والزمان ولكل وقت دولة ورجال والقانون لا يحمي المغفلين ...

وظل الفشل يترحل من مرحلة الى مرحلة وظلت التباينات السياسية تعتري المشهد السياسي ولم يستطع حزب المؤتمر الشعبي العام من جمع اليمنيين على طاولة حوار ومصالحة وطنية بل عمق الخلافات وأوجد مراكز قوى عبثت بمكنونات البلد ونهبت وسلبت المال العام والخاص ومضت هذه النخبة في بناء إمبراطورياتها الإقتصادية من مال الشعب العام وظل الشعب في الجنوب والشمال يعاني شظف العيش وقسوة الحياة .

حتى وصل الأمر الى ثورة الربيع العربي 2011 بعد احتقانات سياسية وشعبية وجاءت حكومة الوفاق الوطني ودخلت أحزاب المعارضة من قوى اللقاء المشترك شريكة بالمناصفة مع الحزب الحاكم وفشلت هذه الحكومة وهذه القوى في تحقيق أي نماء وبعدها جاء إنقلاب الحوثيين 2014 وسيطرت الجماعة الحوثية على مقاليد الأمور  واختزلت جميع القوى السياسية واستحضرت كهنوتها .

الى أن  جاء التحالف للقضاء على المد  الصفوي  وأُعْلِنَتْ عاصفة الحزم  في 26 مارس 2015 وبدأت أولى هجماتها على الحوثيين  تحت شعار  دعم وإعادة الشرعية اليمنية والقضاء على المد الصفوي  ..

لكن هذا الشعار وتلك الأهداف كانت تخفي خلفها  برنامجا إقليميا وأهدافا استراتيجية لدول الجوار على الخارطة اليمنية  ..

هذه الأهداف القادمة من خلف البحار ماكان لها أن تتمكن لو لم تجد ضعفا في الإدارة لدى قوى الشرعية اليمنية التي تقوقعت في قصور الرياض تاركة الحبل على الغارب  للمشاريع الإقليمية لتمرر على حساب مصلحة الشعب اليمني حيث قبع الرئيس وحاشيته وزبانيته في قصور وفنادق عاشوا فيها بعيد عن الشعب وعن معاناته .

ولذلك كان ومازال الفشل في الإدارة علة يمنية مزمنة تترحل من مرحلة الى مرحلة ومن نخبة الى نخبة ومن حزب الى حزب ومن فئة الى فئة وهذا لعمري قدر على اليمنيين وهاهي  الشرعية الفاشلة على مدى  عشر سنوات  تكشح لقاحا ثم تنتج فتتئم ِ  فقد أولدوها مجلسا رئاسيا بثمانية رؤوس وقلنا لعلنا نصل الى بر الأمان ونخرج من عنق الزجاجة ونتلافى مايمكننا أن نتلافاه ونصلح ما يمكننا أن نصلحه  ولكن هيهات هيهات  فمازال الفشل حليفنا وما زالت النخب عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من النهضة وذلك لأنها إلى اليوم لم تحمل وتنطلق من المشروع الوطني  .

اليمن فاشلة إداريا ؟ 
نعم !!
ومازلنا نعاني من الفشل؟
نعم   !!
لماذا كل هذا الفشل ؟

لأن النخب السياسية اليمنية التي تعاقبت على حكم البلد  عقيمة والعقيم لا ينتج  وفاقد الشيء لا يعطيه .

إذا ً  اليمن العظيم بكل مكنوناته وبكل محتوياته وبكل فئاته  فاشلا بفشل إداراته المتلاحقة العجفاء والجوفاء  والمترهلة وكلما قلنا عساها تنتهي قالت الأيام هذا مبتداها .

اللهم أبرم لليمن أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك  اللهم اخرج اليمن من الضيق إلى السعة ومن العسر الى اليسر  اللهم دمر من سعى في تدمير اليمن واهلك من سعى في هلاكه .


عبدالناصر بن حماد العوذلي 
23 يوليو 2023