آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-04:02ص

‏نصيحة للمجلس الإنتقالي

الخميس - 20 يوليه 2023 - الساعة 06:51 ص

سام الغباري
بقلم: سام الغباري
- ارشيف الكاتب


 

سام الغباري

فكرت في هذا المقال كتغريدة على حسابي، لكنه نصيحة - والنصيحة طويلة - لا تتسع لها مساحة تويتر، ولم أكن في حالة نفسية جيدة لتلقي سيل الشتائم المعتاد من مغردي وأنصار المجلس الإنتقالي القابعين في حالة توتر دائم .

ولأنها نصيحة، كان يجب أن تُلقى على مسامع من أردنا نصحهم، لولا أنهم ضربوا أمامنا من الحُجّاب ما حال دون قولها مباشرة، لذا نكتبها هنا: إن الضرر البالغ الذي تعرضت له سمعة المجلس كرديف للمعركة الوطنية بالغ الأثر، وإذا استمر في عناده معتقدًا أنه يستطيع تجاوز الشرعية أو خلق شرعية الأمر الواقع كما فعل الحوثيون في بعض مناطق شمال اليمن فتلك مهمة انتحارية تنسف جهوده الطويلة في إرساء معالم القضية الجنوبية التي لم يعد يُعرف لها إطار واضح، وتحولت في ظل الفضاء الاليكتروني إلى مادة قابلة للطرق والسحب والتشعب غير المنطقي .

كان على المجلس الإنتقالي استيعاب تحوله التاريخي بوصوله المذهل إلى قيادة جماعية بات فيها إحدى الرؤوس الهامة وصاحب الهيمنة المقبولة في عاصمة اليمن المؤقت، وقد لقي في ذلك التقدم دعم ومباركة أهم دولة عربية وإسلامية محورية وهي المملكة العربية السعودية، إلا أن التسرع غير المدروس في خطواته، ومحاولته فرض الأمر الواقع معتمدًا على حضور دول أخرى ليس لها شأن في اليمن ولا تتجاور معه في حدود جغرافية، أساء فعليًا إلى واقعه السياسي ومستقبله المأمول، كما أن تطرقه العلني الواضح لمسألة الوحدة اليمنية وتناولها بطريقة سلبية قد أثار ردود فعل لن تخدم مسيرته المفترضة .

وأما لماذا لا يستطيع المجلس الانتقالي في جنوب اليمن فرض الأمر الواقع، فالسبب بسيط: ذلك أنه لا يمتلك عقيدة مذهبية كالتي أغرق بها الحوثيون بعض مناطق شمال اليمن، ولأن فرضية القائد المقدس ليست ولن تكون متوفرة في أي من قيادات المجلس الانتقالي الحالي أو اللاحق، ولأنه في الأصل بُني على عجل تحت غطاء المعركة الوطنية لمواجهة ميليشيا الإرهاب الحوثية، وأي عملية سلام حقيقية ستهدد وجوده كما تهدد وجود الحوثيين أيضًا .

فماذا لو أن المجلس الانتقالي اختار طريق السلاح لحسم الأمر في عدن وحضرموت ؟ الجواب حاضر: سيؤدي ذلك إلى تغير قواعد التحالفات في المنطقة، بما يجعل المجلس الانتقالي "كبش الفداء الإفتراضي" في أي عملية تهدئة لاحقة، وهو ما يفقد "القضية الجنوبية" زخمها وأهدافها الصادقة التي يبدو أن المجلس الإنتقالي لم يكن مستعدًا لتحمل المسؤولية الملقاة على كاهله فجأة دون خبرة ميدانية، فأغلب الذين اعتمد عليهم المجلس في إدارة شؤون الدولة بالشراكة مع الشرعية قادوا البلد إلى حالة احتقان دائم، ومارسوا غضبًا هائلًا على المواطنين القادمين من شمال اليمن دون مبرر إنساني أو اخلاقي، وكانت تلك أقسى الضربات التي تلقاها المجلس في نزاهته القانونية المفترضة .

ومثلما كانت قيادات علنية في المجلس الإنتقالي قد استخدمت المناطقية لمواجهة التغول الحوثي المسلح في أراضي الجنوب، فإن بناءها العجول قبل خمس سنوات جاء بطريقة مناطقية داخل الجنوب نفسه، لمواجهة رئيس منتخب فضّل في نهاية المطاف تسليم رئاسته إلى قيادة جماعية والإنسحاب التام من العملية السياسية والرسمية بكل صدق، وهو الأمر الذي لم تقدره قيادة المجلس الإنتقالي، واستخدمت تأثيرها الجديد للهيمنة مناطقيًا على كل الجنوب اليمني بما جعلها تظن أن بإمكانها تكرار تجربة الرفاق الإشتراكيين في جنوب الوطن المنهك من كل شيء

يجب على كل الإطراف اليمنية شمالًا وجنوبًا إدراك تسارع الأحداث العالمية والإقليمية وتغيرات الكوكب برمته، فالسباق على إزدهار الشعوب صميم شرعية المجالس أو الحكومات التي اُستعملت لهذا الغرض، ودون ذلك ومع استخدام منطق السلاح لغرض السُلطة فقط سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروج كل المسلحين من التاريخ والسلطة والمستقبل .

وإلى لقاء يتجدد .

كاتب وصحافي من اليمن